الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من أفطر ظانا غروب الشمس فتبين أنها لم تغرب

السؤال

الإخوة الأفاضل: أفطرت قبل أذان المغرب بالخطإ ظنا مني أن المؤذن قد أذن للصلاة، حيث كنت متعبة ونائمة فقامت إحدى الأخوات بإيقاظي للتأهب للإفطار، ولكنني ظننتها تقول لي إنه قد انتهى الأذان فشربت الماء وعدت للفراش ثم اكتشفت أنني أفطرت قبل الأذان، فهل صيامي صحيح؟ أم علي القضاء؟ علما بأنني أفطرت قبل الأذان بثلث أو ربع ساعة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد اختلف العلماء في من أكل أو شرب وهو يظن غروب الشمس أو بقاء الليل ثم تبين خلاف ذلك هل يلزمه القضاء أو لا؟ ومذهب الجمهور لزوم القضاء في هذه الحال، وقول الظاهرية واختيار شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ أن القضاء لا يلزم، لقوله تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا، وقال الله في جوابها: قد فعلت. رواه مسلم.

وعلى هذا القول الثاني، فلا يلزمك قضاء ذلك اليوم، وعلى قول الجمهور فالقضاء لازم لك، وعن عمر ـ رضي الله عنه ـ في هذه المسألة قولان كالمذهبين، قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في حاشيته على سنن أبي داود: واختلف الناس هل يجب القضاء في هذه الصورة؟ فقال الأكثرون: يجب، وذهب إسحاق بن راهويه، وأهل الظاهر إلى أنه لا قضاء عليهم، وحكمهم حكم من أكل ناسياً، وحكي ذلك عن الحسن ومجاهد، واختلف فيه على عمر، فروى زيد بن وهب قال: كنت جالساً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان في زمن عمر، فأتينا بكأس فيها شراب من بيت حفصة، فشربنا ونحن نرى أنه من الليل، ثم انكشف السحاب، فإذا الشمس طالعة، قال: فجعل الناس يقولون: نقضي يوماً مكانه، فسمع بذلك عمر فقال: والله لا نقضيه، وما تجانفاً لإثم. رواه البيهقي وغيره.

وقد روى مالك في الموطإ عن زيد بن أسلم: أن عمر بن الخطاب أفطر ذات يوم في رمضان في يوم ذي غيم ورأى أنه قد أمسى وغابت الشمس، فجاءه رجل فقال له: يا أمير المؤمنين قد طلعت الشمس، فقال عمر: الخطب يسير، وقد اجتهدنا، قال مالك: يريد بقوله: الخطب يسير ـ القضاء ـ فيما نرى. والله أعلم.

وكذلك قال الشافعي، إلى أن قال ـ رحمه الله: فلو قدر تعارض الآثار عن عمر لكان القياس يقتضي سقوط القضاء، لأن الجهل ببقاء اليوم كنسيان نفس الصوم، ولو أكل ناسياً لصومه لم يجب عليه قضاؤه، والشريعة لم تفرق بين الجاهل والناسي، فإن كل واحد منهما قد فعل ما يعتقد جوازه وأخطأ في فعله، وقد استويا في أكثر الأحكام وفي رفع الآثار، فما الموجب للفرق بينهما في هذا الموضع؟ وقد جعل أصحاب الشافعي وغيرهم الجاهل المخطئ أولى بالعذر من الناسي في مواضع متعددة.

وقد يقال إنه في صورة الصوم أعذر منه، فإنه مأمور بتعجيل الفطر استحباباً، فقد بادر إلى أداء ما أمر به واستحبه له الشارع فكيف يفسد صومه؟ وفساد صوم الناسي أولى منه، لأن فعله غير مأذون له فيه، بل غايته أنه عفو، فهو دون المخطئ الجاهل في العذر. انتهى.

وبالجملة فالقول بعدم لزوم القضاء وإن كان متجهاً من حيث الدليل إلا أن الأحوط والأبرأ للذمة هو قضاء ذلك اليوم، والخطب يسير ـ كما قال عمر رضي الله عنه ـ وانظري لذلك الفتاوى التالية أرقامها: 128149، 138535، 114527.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني