الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

جواب شبهة حول تقبيل أرجل الوالدين والشك في الاعتقاد

السؤال

هذا رد على الفتوى رقم 142753 و الفتوى المستدل بها رقم 13930 و على إثر هذا فإن الأحاديث الواردة في الفتوى رقم: 13930 لا تثبت بل لا تدل على جواز تقبيل وجه الوالدين ورجليهما لأنها أثبتت مثل هذا الفعل مع الرسول صلى الله عليه وسلم نظرا لفضله العظيم في تبليغ الأمة الرسالة المكلف بها. ولهذا فسؤالي يتعلق بهذا الفعل مع الأبوين وليس مع النبي، إذ لا يجوز اعتبار النبي والوالدين في نفس المرتبة من السماحة والعصمة من الخطأ و النبوة التي جعلته لا ينطق عن الهوى فكان فضله وعلمه يفوق كل المراتب ولا يمكن أن يشبهه في مثل هذا الفضل وهذه العصمة أحد على حد السواء ولا يجوز أن ينافسه أحد في عظم قدره على المخلوقين ولو كانوا أولي الأمر الذين أمرنا بطاعتهم بأمره هو صلى الله عليه وسلم ونهيه لنا عن معصية أولي الأمر بنهيه هو أيضا كما جاء ذلك في قوله تعالى : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم
وجاء أيضا ذلك على لسان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أنه ينبغي طاعة أولي الأمر ابتداء من الوالدين وانتهاءا إلى الحكام وأصحاب النفوذ، والأحاديث الواردة في الفتوى 13930 أثبتت مثل هذا الفعل مع النبي كما شهد له الصحابة بالرسالة و صدق النبوة بعد أن أدركوا عظم فضله وقدره في توجيههم فيما أشكل، واختلف فيه من الأمر فقال أحدهم : أشهد أنك لرسول الله . دلالة على أن الرسول قد عظم في قلوبهم ووجدوا فيه الدواء لدائهم فأجلوه وعظموا قدره. وبهذا التعظيم والإجلال له قبل يده ورجله كما ورد الفعل منهم. ولكن سؤالي عند ما يتعلق الأمر بالولدين وليس مع الرسول إذ لا يصح أن نجعل مقام الوالدين في نفس مقام الرسول، لأن الرسول يصيب وهو معصوم من الخطايا أما الوالدان وإن كانوا من ذوي الفضل وأولي الأمر الذين أمرنا بطاعتهم ليسوا ممن يعصم من الخطايا حتى نجعلهم في مثل مقام الرسول ونقبل يديهم وأرجلهم كما ورد الفعل مع الرسول. فلا يعد إذن أن يكون ذلك إلا شركا محضا كما أننا معشر المسلمين أمرنا بطاعة أولي الأمر من الحكام ولو كانوا جورة وظالمين ولكن لم نأمر بطاعتهم للخضوع والاستكانة لهم ... بتقبيل أيديهم وأرجلهم بنفس ما فعل بالرسول . فلا يعد إذن ذلك أن يكون إلا شرك قد انزلق فيه كثير من الخلق.
والمسألة التالية هي في تعليقكم على الفتوى 142753 فيما يخص الشك إذ أن الشك إذا كان في طريق الحق صار مذموما وإن كان في إدراك الحق لا يمكن أن يكون مذموما، ولكن المذموم في الإسلام هو الظن وليس الشك كما زعمتم لقوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ. ولم يرد ذلك في لفظ الشك ولم يرد في القرآن لفظ الشك على الإطلاق إلا فيما يؤيد فيه الكفار والمنافقون حججهم الباطلة ضد الرسول وذلك كله وارد بصيغة الظن وليس للشك مقام كمقام الظن، والفرق واضح في كون الظن يحل في الإنسان إذا تبين له الحق وانكشفت له الحجة فيسمى ذلك ظنا ولهذا ذمه القرآن لأن الكفار ظنوا ظن الباطل بعد ما أراهم الرسول من معجزات نبوته صلى الله عليه وسلم، أما الشك فهو تفكر في أمر قد اختلف فيه ولم تتبين الحجة بعد ما دام الاختلاف قائما إلا أنه قد لا يكون مذموما في حال عدم وجود دليل أو كان الدليل موجودا ولكن غير كاف فيحصل الاجتهاد بالعقل في الوصول إلى الدليل وتبيان الحجة وهذا يعقب ظهور الحجة المقنعة فإذا ظهرت الحجة واستمر الشك بعد قيام الحجة تحول الشك إلى ظن. و ما ذمه الدين الظن وليس الشك.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما ثبوت الأحاديث الواردة في الفتوى المشار إليها فقد ذكرنا كلام أهل العلم في تصحيحها والحكم عليها وهؤلاء هم من يعول عليهم في الحكم على الحديث من حيث الثبوت أو عدمه، وأما أنها لا تدل على ما قررناه من جواز التقبيل فغير مسلم لك إذ الأصل في أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم عدم الخصوصية كما هو معروف عند أهل العلم كما نقل المباركفوري في تحفة الأحوذي عن القاضي عياض أنه قال: الأصل عدم الخصوصية وجواز الاقتداء به في أفعاله حتى يقوم على الخصوصية دليل. اهـ.

وفعل السلف مثل ذلك مع غيره دليل على عدم الخصوصية، فالحكم على هذا الأمر بالمنع غير سليم فكيف بالقول أنه شرك بالله عز وجل لا شك أن هذه مجازفة عظيمة.

وأما ذكرك لأئمة الجور ففي غير محله، إذ إننا لم نقل إن كل من أمرنا بطاعته جاز تقبيل يديه ورجليه، وإنما يشرع فعل ذلك مع من يستحقه من أهل الفضل كالعلماء والصالحين والوالدين... وهذا فيما يتعلق بالمسألة الأولى.

وأما المسألة الثانية فما وقعت فيه في المسألة الأولى وقعت فيه هنا وهو أنك قررت أمرا لم تورد لنا فيه عن أهل العلم نقلا. ولا يصح ما ذكرت من أن الشك ليس مذموما مطلقا بل هو مذموم مطلقا، فقد ورد القرآن بذمه، قال تعالى: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ {الدخان: 9 }.

وكل من الشك والظن والوهم مذموم في مجال الاعتقاد، فلا ينفع إلا اليقين ويطلق الظن في القرآن على الاعتقاد الفاسد مطلقا، قال الله تعالى: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ {الأنعام: 116}

قال ابن كثير عند تفسيره هذه الآية:( إن تتبعون إلا الظن) أي الوهم والخيال ، والمراد بالظن هاهنا الاعتقاد الفاسد) اهـ.

فهذا الذي أردناه في فتوانا السابقة، أما الشك كمرحلة من مراحل العلم بالشيء أو درجة من درجات العلم كما يذكره علماء المنطق ويعرفونه بأنه: إدراك الشيء مع احتمال ضد مساو فهو بهذا المعنى الاصطلاحي قد يصح أن يقال إنه نصف العلم.

وننصحك بأن تشغل نفسك بالبحث عما وراءه عمل ولا تشغلها بمثل هذا الجدال، ومن أهم ما ينبغي أن يحرص عليه المسلم العلم النافع والعمل الصالح، وقد أحسن من قال:

كن طالبا للعلم واعمل صالحا * فهما إلى سبل الهدى سببان

والسبيل الصحيح لطلب العلم هو البدء بصغاره قبل كباره والتدرج فيه، فقد قال الله تعالى: وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ {آل عمران:79}

والربانيون واحدهم رباني منسوب إلى الرب. والرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره ، وكأنه يقتدي بالرب سبحانه في تيسير الأمور، روي معناه عن ابن عباس رضي الله عنهما. اهـ.

ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 121529.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني