الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من ضوابط الحكم على كفر شخص معين

السؤال

أحد أفراد أسرتي دائم النقد للدين الإسلامي بمناسبة وبدون مناسبة، لا يقتنع إلا برأيه، ينتقد تفسير السابقين لأنه غير عصري! ويعيد تفسير الآيات حسب رؤيته ويتعلق بمراجع تسبب الشك ويعتز بها، حديثه عن المشتبهات والتشكيك في أحكام معروفة مثل فرض الحجاب بحجة اختلاف الأزمنة أو تحريم الخمر أو عن قصص تنتقد فيها تصرفات الصحابة أو الرسول (ص) والتي يدعي صحتها، ومع كل ذلك فهو يصلي ويصوم، و هذا يرهقني ويرهق باقي أفراد الأسرة.
سؤالي هو: هل ما زال يعتبر مسلماً أصلاً وكيف نتعامل معه ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد من الله تعالى علينا بأن أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام دينا، فلا نسخ لشيء من أحكام الشرع ولا تبديل لها بعد إذ كملها الله عز وجل، فهذا الشرع الحكيم المحكم يلزم العمل به في جميع الأزمنة والأمكنة، ولا يصلح أمر الناس إلا به، فما ساد الأسلاف وقهروا ملوك الأرض في الزمن الغابر إلا بتمسكهم بهذا الدين الحنيف والشرع المنيف وعضهم عليه بالنواجذ، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها كما قال مالك إمام دار الهجرة رحمه الله، وليس يمتري في هذا إلا جاهل لم يفقه أو مريض لم ينقه، فعليكم أن تناصحوا هذا الرجل -هداه الله- وتبينوا له بالحجة الواضحة من الكتاب والسنة ووقائع التاريخ وشواهد الماضي ما في رأيه من الخطأ والخطل، وما هو فيه من الزيغ والانحراف عن سواء السبيل، فإن استجاب فالحمد لله وإلا فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا.

وأما هل هو منتم للإسلام أو لا؟ فإنا لا نستطيع الحكم عليه بعينه لأن هذا لا بد فيه من إزالة الشبهة وإقامة الحجة، لكن على العموم ومن غير تنزيل للأحكام على شخص معين نقول: من كان ينكر ما يعلم بالضرورة من دين الإسلام أو يشك فيه كتحريم الخمر ووجوب الحجاب على النساء فهو مرتد خارج من ملة المسلمين وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم.

قال النووي في شرح مسلم نقلا عن الخطابي رحمه الله: فَأَمَّا الْيَوْمَ وَقَدْ شَاعَ دِينُ الْإِسْلَامِ وَاسْتَفَاضَ فِي الْمُسْلِمِينَ عِلْمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ حَتَّى عَرَفَهَا الْخَاصُّ وَالْعَامُّ وَاشْتَرَكَ فِيهِ الْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ فَلَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِتَأْوِيلٍ يَتَأَوَّلُهُ فِي إِنْكَارِهَا، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ فِي كُلِّ مَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِمَّا أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ إِذَا كَانَ عِلْمُهُ مُنْتَشِرًا كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَصَوْمِ شَهْرِ رمضان والاغتسال من الجنابة وتحريم الزنى وَالْخَمْرِ وَنِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْأَحْكَامِ. إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلًا حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ وَلَا يَعْرِفُ حُدُودَهُ فَإِنَّهُ إِذَا أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْهَا جَهْلًا بِهِ لَمْ يَكْفُرْ وَكَانَ سَبِيلُهُ سَبِيلَ أُولَئِكَ الْقَوْمِ-يعني مانعي الزكاة- فِي بَقَاءِ اسْمِ الدِّينِ عليه. انتهى.

وقال البهوتي رحمه الله في الروض المربع:. (ومن جحد تحريم الزنا أو) جحد (شيئا من المحرمات الظاهرة المجمع عليها) أي على تحريمها، أو جحد حل خبز ونحوه مما لا خلاف فيه، أو جحد وجوب عبادة من الخمس، أو حكما ظاهرا مجمعا عليه إجماعا قطعيا (بجهل) أي بسبب جهله وكان ممن يجهل مثله ذلك، (عرف) حكم (ذلك) ليرجع عنه، وإن أصر و (كان مثله لا يجهله كفر) لمعاندته للإسلام وامتناعه من التزام أحكامه، وعدم قبوله لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع الأمة. انتهى

فإن أصر هذا الشخص على ما يقول بعد النصح والبيان وإزالة الشبهة إن كان مثله ممن يجهل فحكمه حكم المرتد فلا تأكل له ذبيحة، ولا يبدأ بالسلام، ولا يصلى عليه إذا مات وغير ذلك من أحكام المرتد.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني