الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تجب التوبة من تأخير سداد الدين

السؤال

هل بإمكاني التوبة قبل أن أرجع الدين لصاحبه؟ فأنا أريد إرجاع الدين بعد شهر، ولم أتفق معه على ذلك، وأني متأخر في السداد. هل أتوب أم بعد إرجاع الدين ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالذي فهمناه من سؤالك أنك أخرت وفاء الدين المستحق عليك دون أن تخبر الدائن أو تتفق معه على ذلك، فإن كان الأمر كذلك فإن كنت معسرا فلا إثم عليك في هذا التأخير، ولم يجز لصاحب الدين مطالبتك؛ لقوله تعالى: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ {البقرة:280} .

وأما إن كنت موسرا فإن كان رب الدين قد طالبك بالدين فقد وجب عليك الوفاء به، وتأثم إن لم تفعل وتكون ظالما؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته.

وأما إن لم يطالبك الدائن بوفاء دينه بعد حلول الأجل المتفق عليه، وكنت موسرا تقدر على الوفاء، ففي لحوق الإثم بك خلاف بين العلماء، فيرى بعضهم أنك لا تأثم بذلك لأن المطل الذي هو ظلم لا يكون إلا بعد المطالبة، قال العلامة الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله: وعلى الموسر الأداء للدين الحال فورا بقدر الإمكان إن طولب به؛ لخبر الصحيحين: مطل الغني ظلم إذ لا يقال مطله إلا إذا طالبه فدافعه... أما إذا لم يطالب به فلا يجب ذلك. انتهى.

ومن العلماء من قال إنك تأثم في هذه الحال إن كان المانع من مطالبته لك هو الحياء، جاء في الشرح الكبير للدردير: ( ومطل ) من مدين غني أي تأخيره دفع ما عليه عند الطلب بلا عذر شرعي، وفي الحديث { مطل الغني ظلم } وترك الطلب استحياء أو خوف أذية في حكم الطلب أي أن المطل من موانع الشهادة. وذهب بعض العلماء إلى لزوم الوفاء بالدين الحال فورا والمؤجل عند حلول أجله ولو بلا مطالبة، وهو ظاهر كلام صاحب الإقناع من الحنابلة وعبارته: وَيَجِبُ عَلَى قَادِرٍ وَفَاؤُهُ عَلَى الْفَوْرِ بِطَلَبِ رَبِّهِ أَوْ عِنْدَ أَجَلِهِ إنْ كَانَ مُؤَجَّلًا. انتهى.

والمذهب خلاف هذا إلا أن بعض الحنابلة ذهب إلى أن تعيين وقت الوفاء يقوم مقام المطالبة، قال في كشاف القناع: ( ويجب أداء ديون الآدميين على الفور عند المطالبة ) لحديث مطل الغني ظلم ( ولا يجب ) أداء ديون الآدميين ( بدونها ) أي بدون المطالبة ( على الفور ) بل يجب موسعا ( قال ابن رجب: إذا لم يكن ) المدين ( عين له ) أي لرب الدين ( وقت الوفاء ) فيقوم تعيينه مقام المطالبة عنده. انتهى.

والحاصل أنك إن كنت أخرت الوفاء مع قدرتك عليه بعد حلول الأجل فقد لحقك الإثم بذلك عند بعض العلماء، ولم يلحقك عند بعضهم.

والذي يليق بالمسلم هو أن يتجنب الدخول في خلاف العلماء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.

وأيضا فلا ينبغي مجازاة من رفق بك وأجل وفاء الدين إلا بتعجيل وفائه عند القدرة، فليس جزاء الإحسان إلا الإحسان.

ومن ثم فينبغي لك المبادرة بوفاء هذا الدين إن كانت لك قدرة على ذلك حذرا من الإثم ووفاء بالوعد وردا للجميل، وحيث لزمك المبادرة بوفاء الدين فإن ذلك واجب على الفور ولا تكمل توبتك إلا بأداء الحق لمستحقه، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 149083.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني