الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تشترط النية والاحتساب في العادات والمباحات لنوال الثواب

السؤال

في سؤالي رقم: 2304344 أحلتموني إلى فتوى تتضمن الحكم في مسألة العبادات، ولكنني أريد التوضيح تحديداً في مسألة العادات والمباحات، هل يشترط الاحتساب لوقوع الأجر فيها أم لا. والمثال على ذلك هو ما ذكرته من حديث وقوع الأجر لمن ينفق على أهله بشرط الاحتساب، وفي حديث آخر يجعل ذلك في سبيل الله دون اشتراط الاحتساب. أفيدونا بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن العادات والمباحات يؤجر عليها العبد إذا نوى بها كف نفسه عن الحرام أو التقوي على طاعة الله تعالى، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في في امرأتك. وقوله صلى الله عليه وسلم: .. فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر. وقول معاذ- رضي الله عنه: أما أنا فأقوم وأنام، وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي، وفي رواية: أحتسب في نومتي ما أحتسب في قومتي.

وهذه الأحاديث في الصحيحين وغيرهما، والظاهر منها ومن غيرها من الآثار التي وردت في هذا الموضوع أن العبد إذا فعل المباح يقصد به التقوي على طاعة الله تعالى أو أنه لو لم يكن هذا الفعل مباحا لما فعله أن ذلك يكفي لحصول الأجر والثواب في ذلك العمل؛ لذلك قال بعض الفضلاء:

إذا نويت بالمباح أنتا * لولا الإباحة لما فعلتا

أو التقوي على الطاعات * يكون قربة لدى الثقات

وما ورد في بعض الأحاديث من إطلاق الأجر في النفقة على الأهل بدون ذكر النية أو اشتراطها فإنه يحمل على ما قيد بالنية أو اشترطت له؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حصر أجر العمل فيما قصد به صاحبه في الحديث المعروف: إنما الأعمال بالنيات... الحديث متفق عليه، فليس للعبد من عمله إلا ما نواه به، ولأن القاعدة الأصولية تقول: إذا ورد في نصوص الوحي نص فيه إطلاق وآخر فيه تقييد وكان حكمهما واحدا فإن المطلق منهما يحمل على المقيد، قال صاحب المراقي:

وحمل مطلق على ذاك وجبْ * إن فيهما اتحد حكم والسببْ

أما القيام بالنفقة على الأهل أو غير ذلك من العادات أو الواجبات التي لا تفتقر إلى نية، فإن فعلها بدون نية واحتساب لا أجر فيه، وكذلك إذا ترك المحرمات بدون نية، كل ذلك لا ثواب فيه إلا بالنية والاحتساب، كما في الأحاديث المشار إليها، ولذك قال صاحب المراقي:

وليس في الواجب من نوال * عند انتفاء قصد الامتثال

فيما له النية لا تشترط * وغير ما ذكرته فغلط

ومثله القصد لما يحرّم * من غير قصد ذا نعم مسلّم

فالواجب الذي لا يحتاج إلى نية كالنفقة على العيال لا ثواب فيه إلا بالنية، وكذلك العادي وترك الحرام كل ذلك لا ثواب فيه ولا أجر إلا بالنية.

وإذا احتسب الأجر والثواب عند الله تعالى زيادة على مجرد النية فلا شك أن ذلك أفضل، وقد بينا أن الاحتساب هو طلب الثواب من الله تعالى، وأنه أخص من النية. انظر الفتاوى: 1196699935524782 ويرى بعض أهل العلم أن النفع المتعدي يؤجر عليه صاحبه وإن لم ينو التقرب به، واستدلوا على ذلك بقول الله تعالى : لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء:114}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني