الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أهل الجنة يكونون فيها على أحسن هيئة

السؤال

أريد أن أسأل سؤالا بخصوص الجنة: فهل أشكالنا في الجنة سوف تكون بنفس الشكل. فماذا إن كنت أكره شكلي في الحياة، مع العلم أني أقرأ أن في الجنة نكون أحلى من حور العين ولكن أقرأ أننا في الجنة سوف ننقلب إلى أهلنا مسرورين، ومع هذا الأهل سوف يكونون بنفس الصورة التي كانوا عليها في الدنيا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأهل الجنة لا يمكن أن يحرموا مما يشتهون فضلا عما يطلبون، فكل واحد من أهلها ينال فيها ما يتمناه وزيادة، كما قال تعالى: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ. {ق: 35}

وقال سبحانه: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {الزخرف:71}.

حتى إن من تصيبه النار من عصاة الموحدين ثم يؤذن له بعد ذلك بالخروج منها ودخول الجنة، عندها يقول الله عز وجل له: تَمَنَّ. فَيَتَمَنَّى حَتَّى إِذَا انْقَطَعَت أُمْنِيَّتُهُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مِنْ كَذَا وَكَذَا ـ أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ ـ حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الْأَمَانِيُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ. رواه البخاري ومسلم.

وراجعي لتمام الفائدة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 137313، 122473، 127571.

وعلى ذلك، فالجدير بالمرء أن يتوجه باهتمامه كله إلى تحقيق سبب دخولها، ولا ينشغل بما بعد ذلك، فإنه لن يجد فيها إذا دخلها إلا ما يسره.

وأما بخصوص ما ذكرته السائلة، فليس فيه ما يدل على بقاء أهل الجنة على صورهم التي كانوا عليها في الدنيا دون تغيير وليس المراد بالأهل في قوله تعالى: وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا. {الإنشقاق:9}. أهل الدنيا، وإنما هم الأهل في الجنة كالحور العين.

قال الطبري في معنى الآية: وينصرف هذا المحاسب حسابا يسيرا إلى أهله في الجنة مسرورا، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ثم أسند عن قتادة قوله في تفسير الاية إلى أهل أعد الله لهم الجنة. انتهى.

ومن أهل العلم من جعل هذه الآية من قبيل الاستعارة التمثيلية.

قال ابن عاشور: هذا التركيب تمثيل لحال المحاسب حسابا يسيرا في المسرة والفوز والنجاة بعد العمل الصالح في الدنيا، بحال المسافر لتجارة حين يرجع إلى أهله سالما رابحا، لما في الهيئة المشبه بها من وفرة المسرة بالفوز والربح والسلامة ولقاء الأهل وكلهم في مسرة، فذلك وجه الشبه بين الهيئتين، وهو السرور المألوف للمخاطبين. فالكلام استعارة تمثيلية وليس المراد رجوعه إلى منزله في الجنة، لأنه لم يكن فيه من قبل حتى يقال لمصيره إليه انقلاب ولأنه قد لا يكون له أهل. انتهى.

والمقطوع به أن أهل الجنة يكونون على أحسن هيئة، بل ويزداون على مر الأيام حسنا وجمالا. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثوا في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسنا وجمالا، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنا وجمالا فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا فيقولون وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا. رواه مسلم.

ومما يؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين على إثرهم كأشد كوكب إضاءة. رواه البخاري ومسلم.

ولذلك قال ابن القيم في (حادي الأرواح): وإن سألت عن وجوه أهلها وحسنهم فعلى صورة القمر. اهـ.

ومما ورد في حسن صور أهل الجنة أنهم يكونون على صورة نبي الله يوسف عليه السلام كما في حديث المقدام رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من أحد يموت سقطا ولا هرما إلا بعث ابن ثلاث وثلاثين سنة، فإن كان من أهل الجنة كان على مسحة آدم وصورة يوسف وقلب أيوب.

قال المنذري: رواه البيهقي بإسناد حسن. انتهى. وحسنه المناوي والألباني.

ومعلوم أن يوسف عليه السلام قد أعطى شطر الحسن كما في حديث المعراج، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرج به إلى السماء الثالثة قال: فإذا نا بيوسف صلى الله عليه وسلم وإذا هو قد أعطي شطر الحسن. راه أحمد ومسلم.

قال ابن حجر: وفي حديث أبي سعيد عند البيهقي، وأبي هريرة عند ابن عائذ والطبراني فإذا أنا برجل أحسن ما خلق الله قد فصل الناس بالحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب. انتهى.

وقد سبق لنا جواب سؤال عن تغير شكل وجوه أهل الجنة، وفي ذلك في الفتوى رقم: 114111، كما سبق لنا ذكر طرف من الأدلة على أن الناس يعرفون بعضهم يوم القيامة وذلك في الفتوى رقم: 9853.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني