الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الدنيا بين المدح والذم

السؤال

إذا كان الله جعل الدنيا مذمومة، فلماذا ندعو الله من خيرات ونعيم الدنيا، ونسأله الزيادة في الرزق والرغد في العيش، وأن يرزقنا القبول في الأرض وغيره من الأدعية المأثورة؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالذي يحل لك هذا الإشكال أن تعلم أن الدنيا لا تمدح بإطلاق ولا تذم بإطلاق، وإنما يذم منها ما كان من معصية الله تعالى، أو كان حاملا عليها داعيا إليها، وأما ما فيها من الخير والطاعة فهو محمود ممدوح، ولما كان حال أكثر الخلق التلهي بالدنيا عن الآخرة والاشتغال بشهواتها عما فيه نفعهم وصلاحهم غلب وصف الذم على الدنيا وكثر التحذير منها، وقد أوضح المحقق ابن القيم ـ رحمه الله ـ هذا المعنى فقال ما عبارته: فالدنيا في الحقيقة لا تذم، وإنما يتوجه الذم إلى فعل العبد فيها وهي قنطرة أو معبر إلى الجنة أو إلى النار، ولكن لما غلبت عليها الشهوات والحظوظ والغفلة والإعراض عن الله والدار الآخرة فصار هذا هو الغالب على أهلها وما فيها وهو الغالب على اسمها صار لها اسم الذم عند الإطلاق، وإلا فهي مبنى الآخرة ومزرعتها، ومنها زاد الجنة، وفيها اكتسبت النفوس الإيمان ومعرفة الله ومحبته وذكره وابتغاء مرضاته، وخير عيش ناله أهل الجنة في الجنة إنما كان بما زرعوه فيها، وكفى بها مدحا وفضلا ما لأولياء الله فيها من قرة العيون وسرور القلوب وبهجة النفوس ولذة الأرواح والنعيم الذى لا يشبهه نعيم بذكره ومعرفته ومحبته وعبادته والتوكل عليه والإنابة إليه والأنس به والفرح بقربه والتذلل له ولذة مناجاته والإقبال عليه والاشتغال به عمن سواه، وفيها كلامه ووحيه وهداه وروحه الذى ألقاه من أمره فأخبر به من شاء من عباده. انتهى.

وفي هذا المعنى يؤثر عن أمير المؤمنين علي ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها، ومطلب نجح لمن سالم، فيها مساجد أنبياء الله ومهبط وحيه ومصلى ملائكته ومتجر أوليائه، فيها اكتسبوا الرحمة وربحوا فيها العافية، فمن ذا يذمها وقد آذنت بنيها ونعت نفسها وأهلها فتمثلت ببلائها وشوقت بسرورها إلى السرور تخويفا وتحذيرا وترغيبا، فذمها قوم غداة الندامة، وحمدها آخرون ذكرتهم فذكروا ووعظتهم فاتعظوا، فيا أيها الذام للدنيا المغتر بتغريرها متى استذمت إليك، بل متى غرتك أبمنازل آبائك في الثرى؟ أم بمضاجع أمهاتك في البلا ـ إلى آخر ما يذكر عنه رضي الله عنه.

وإذا علمت ما مر زال عنك الإشكال، وعلمت أن العبد حين يسأل ربه سعة الرزق ونحو ذلك من متاع الدنيا، فإنما يسأله ما ينتفع به في آخرته، ولا يضره فيها ولا يشغله عن طاعة ربه تعالى وابتغاء مرضاته، ومن ثم كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني