الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يعظم العمل ويكثر ثوابه على قدر إخلاص العامل

السؤال

بالنسبة للأم التي أطعمت بنتيها تمرتها فغفر لله لها، وللرجل الذي نزع عود شجرة من طريق الناس فغفر الله له، وللبغي التي سقت الكلب وتكلفت في ذلك المشقة. هل الذنوب التي غفرها الله لهم الذنوب التي بينهم وبين الله تعالى ؟ وهل معروف لماذا غفر الله لهم بالذات لأن كل الأمهات يفعلن ذلك ومن السهل نزع عود من الطريق ؟ وهل تابت البغي أم ماذا يقال حتى لا يستهتر الناس بهذا الذنب ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن هذا من سعة كرم ورحمة رب العالمين سبحانه وتعالى بعباده، فقد يقبل من بعضهم القليل بسبب قوة إخلاصه فيكفر به ذنوبه كما في قوله صلى الله عليه وسلم: بينا رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئرا فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له. قالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال: في كل كبد رطبة أجر. رواه البخاري ومسلم.

وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: نزع رجل لم يعمل خيرا قط غصن شوك عن الطريق إما كان في شجرة فقطعه وألقاه وإما كان موضوعا فأماطه، فشكر الله له بها فأدخله الجنة. رواه البخاري و مسلم .

قال شيخ الاسلام في المنهاج : وليس كل حسنة تمحو كل سيئة بل المحو يكون للصغائر تارة ويكون للكبائر تارة باعتبار الموازنة، والنوع الواحد من العمل قد يفعله الإنسان على وجه يكمل فيه إخلاصه وعبوديته لله فيغفر الله له به كبائر كما في الترمذي وابن ماجه وغيرهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يصاح برجل من أمتي يوم القيامة على رؤوس الخلائق فينشر عليه تسعة وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر فيقال هل تنكر من هذا شيئا؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: لا ظلم عليك، فتخرج له بطاقة قدر الكف فيها شهادة أن لا إله إلا الله فيقول أين تقع هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فتوضع هذه البطاقة في كفيه والسجلات في كفة فثقلت البطاقة وطاشت السجلات. فهذه حال من قالها بإخلاص وصدق كما قالها هذا الشخص وإلا فأهل الكبائر الذين دخلواالنار كلهم كانوا يقولون لا إله إلا الله ولم يترجح قولهم على سيئاتهم كما ترجح قول صاحب البطاقة، وكذلك في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه فيها العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له. وفي لفظ في الصحيحين: إن امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار يطيف ببئر قد أدلع لسانه من العطش فنزعت له موقها فسقته به فغفر لها. وفي لفظ في الصحيحين: أنها كانت بغيا من بغايا بني إسرائيل. وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينما رجل يمشي في طريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دخلت أمرأة النار في هرة ربطتها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت. فهذه سقت الكلب بإيمان خالص كان في قلبها فغفر لها وإلا فليس كل بغي سقت كلبا يغفر لها، وكذلك هذا الذي نحى غصن الشوك عن الطريق فعله إذ ذاك بإيمان خالص وإخلاص قائم بقلبه فغفر له بذلك فإن الأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص، وإن الرجلين ليكون مقامهما في الصف واحدا وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض. وليس كل من نحى غصن شوك عن الطريق يغفر له قال الله تعالى: لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم (سورة الحج). فالناس يشتركون في الهدايا والضحايا والله لا يناله الدم المهراق ولا اللحم المأكول، والتصدق به، لكن يناله تقوى القلوب. وفي الأثر أن الرجلين ليكون مقامهما في الصف واحدا وبين صلاتيهما كما بين المشرق والمغرب. فإذا عرف أن الأعمال الظاهرة يعظم قدرها ويصغر قدرها بما في القلوب وما في القلوب يتفاضل لا يعرف مقادير ما في القلوب من الإيمان إلا الله عرف الإنسان أن ما قاله الرسول كله حق ولم يضرب بعضه ببعض ...اهـ والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني