الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الرد على من قال: الأشاعرة والماتريدية هم أهل السنة

السؤال

ما رأي فضيلتكم بهذه الفتوى؟ من هم أهل السنة والجماعة؟ أهل السنة والجماعة مصطلح ظهر للدلالة على من كان على منهج السلف الصالح من التمسك بالقرآن والسنن والآثار المروية عن رسول الله وعن أصحابه رضوان الله تعالى عليهم، ليتميز عن مذاهب المبتدعة وأهل الأهواء، وإذا أطلق هذا المصطلح في كتب العلماء فالمقصود به الأشاعرة والماتريدية، لأنّهم هم الذين على ما كان عليه رسول الله لم يبدّلوا ولم يغيروا كما فعل غيرهم من أهل الزيغ والابتداع، ولقد وصف رسول الله الفرقة النـاجية بأنهم السواد الأعظم من الأمة، وهذا الوصف منطبق على الأشاعرة والماتريدية، إذ هم غالب أمة الإسلام، والمنفي عنهم الاجتماع على الضلالة بنص الحديث المشهور: لا تجتمع أمتـي علـى الضلالة ـ قال الإمام الجلال الدواني رحمه الله تعالى شرح العقائد العضدية 1/ 34: الفرقة الناجية، وهم الأشاعرة أي التابعون في الأصـول للشيخ أبي الحسـن... فـإن قلت: كيف حكم بأن الفرقة الناجية هم الأشاعرة؟ وكل فرقة تزعم أنها ناجية؟ قلت سياق الحـديث مشعر بأنهم ـ يعني الفرقة الناجية ـ المعتقدون بما روي عن النبـي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، وذلك إنما ينطبق على الأشاعرة، فإنهم متمسكون في عقائدهم بالأحاديث الصحيحة المنقولة عنه صلّى الله عليه وسلّم وعن أصحابه، ولا يتجاوزون عن ظواهرها إلا لضرورة، ولا يسترسلون مع عقولهم كالمعتزلة، وقال الإمام عبد القاهر البغدادي رحمه الله الفرق بين الفرق ص 19: وقال أيضاً أصول الدين ص309 بعد أن عدَّدَ أئمة أهل السنة والجماعة في علم الكلام من الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى أن قال: .. ثم بعدهم شيخ النظر وإمام الآفاق في الجدل والتحقيق أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري الذي صار شجاً في حلوق القدرية..... وقد ملأت الدنيا كتبه، وما رزق أحد من المتكلمين من التبع ما قد رزق، لأن جميع أهل الحديث وكل من لم يتمعزل من أهل الرأي على مذهبه اهـ. وقال الإمام أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله تعالى في طبقات الشافعية 3/ 376: وأبو الحسن الأشعري إمام أهل السنة، وعامة أصحاب الشافعي على مذهبه، ومذهبه مذهب أهل الحق، وسئل الإمام ابن حجر الهيتمي ـ رحمه الله تعالى ـ عن الإمام أبي الحسن الأشعري والباقلاني وابن فورك وإمام الحرمين والباجي وغيرهم ممن أخذ بمذهب الأشعري، فأجاب: هم أئمة الدين وفحول علماء المسلمين، فيجب الاقتداء بهم لقيامهم بنصرة الشريعة وإيضاح المشكلات وردّ شبه أهل الزيغ وبيان ما يجب من الاعتقادات والديانات، لعلمهم بالله وما يجب له وما يستحيل عليه وما يجوز في حقه........ والواجب الاعتراف بفضل أولئك الأئمة المذكورين في السؤال وسابقتهم وأنهم من جملة المرادين بقوله: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين فلا يعتقد ضلالتهم إلا أحمق جاهل أو مبتدع زائغ عن الحق، ولا يسبهم إلا فاسق فينبغي تبصير الجاهل وتأديب الفاسق واستتابة المبتدع اهـ. الفتاوى الحديثية ص 205، وقال الإمام ابن حجر الهيتمي ـ رحمه الله تعالى ـ الزواجر عن اقتراف الكبائر 82: المـراد بالسنة ما عليه إماما أهل السنة والجمـاعة الشيخ أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي.. اهـ، وقال العلامة السفاريني الحنبلي رحمه الله تعالى لوامع الأنوار البهية1/73: أهل السنة والجماعة ثلاث فرق: الأثرية: وإمامهم أحمد بن حنبل ـ رضي الله عنه ـ والأشعرية: وإمامهم أبو الحسن الأشعري رحمه الله، والماتريدية: وإمامهم أبو منصور الماتريدي رحمه الله تعالى، وقال الإمام المرتضى الزبيدي رحمه الله تعالى إتحاف السادة المتقين 2/6: إذا أطلق أهل السنة والجماعة فالمراد بهم الأشاعرة والماتريدية اهـ، وقال الإمام العلامة أحمد الدردير ـ رحمه الله تعالى ـ في شرحه على منظومته في العقائد المسماة بـخريدة التوحيد ص 194: أئمة الأمة الذين يجب اتباعهم على ثلاث فرق، فرقة نصبت نفسـها لبيـان الأحكام الشرعية العملية وهم الأئمة الأربعة وغيرهم من المجتهدين، ولكن لم يستقر من المذاهب المرضية سوى مذاهب الأئمة الأربعة، وفرقة نصبت نفسها للاشتغال ببيان العقائد التي كان عليها السلف وهم الأشعري والماتريدي ومن تبعهما، وفرقة نصبت نفسها للاشتغال بالعمل والمجـاهدات على طبق ما ذهب إليه الفرقتان المتقدمتان وهم الإمام أبو القاسم الجنيد ومن تبعه، فهؤلاء الفرق الثلاثة هم خواص الأمة المحمدية ومن عداهم من جميع الفرق على ضلال وإن كان البعض منهم يحكم له بالإسلام فالناجي من كان في عقيدته على طبق ما بينه أهل السنة، قال الشيخ الداعية حسن أيوب حفظه الله تعالى في كتابه: تبسيط العقائد الإسلامية 299: أهل السنة هم أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي ومن سلك طريقهما، وكانوا يسيرون على طريق السلف.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالأشاعرة والماتريدية يقولون إنهم هم أهل السنة وقبلهم المعتزلة، وليست العبرة بالزعم وإنما بمطابقة الدعوى للواقع، ونحيل السائل على كتاب الأشاعرة في ميزان أهل السنة للشيخ فيصل الجاسم، وهو نقد علمي لكتاب أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم، وقد سبق لنا ذكر أشهر أصول الأشاعرة المخالفة لمنهج السلف الصالح، أهل السنة والجماعة، وذلك في الفتوى رقم: 38987.

وننبه هنا على أن الإمام أبا الحسن الأشعري قد مر بثلاث مراحل: مرحلة الاعتزال، ثم متابعة ابن كلاب، ثم موافقة أهل السنة، وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل، وقد صرح الأشعري بهذا الموقف الأخير في كتبه الثلاثة: رسالة إلى أهل الثغر، ومقالات الإسلامين، والإبانة، فمن تابع الأشعري على هذه المرحلة، فهو موافق لأهل السنة والجماعة في أكثر المقالات، ومن لزم طريقته في المرحلة الثانية فقد خالف الأشعري نفسه، وخالف أهل السنة في العديد من مقالاتهم، وقد سبقت لنا الإشارة إلى ذلك مع إحالة من أراد التفصيل على بعض الكتب المتخصصة في دراسة مذهب الأشعرية وحياة الأشعري ـ رحمه الله ـ وذلك في الفتوى رقم: 10400.

هذا، وقد رجع كثير من أئمة الأشاعرة في نهاية حياتهم إلى مذهب أهل السنة كما رجع الأشعري نفسه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 134439.

وللوقوف على أوجه الاختلاف بين منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة يمكن الرجوع للمصادر التي سبق ذكرها في الفتوى رقم: 139074.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني