الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم قتل المتسللين عبر الحدود الذين يعتدون على الأموال العامة

السؤال

أنا أعمل في الجيش التونسي، وتأتينا أوامر بتتبع بعض المتسللين من الحدود الليبية والجزائرية، وهم مسلحون يريدون تفجير الآبار البترولية، أو السطو على ثكنات الجيش، والأوامر تأتينا بصدهم وضربهم بالرصاص. فما هو الحكم إن قتلت أحدا منهم وما هو مصيري إن كنت أنا المقتول؟ أفيدونا يرحمكم الله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان هولاء يعتدون على أموال الأمة ويسعون في إلحاق الضرر بها، ويعتدون على الجنود الأبرياء فحكمهم حكم الصائل.

ودفع الصائل بما يندفع به مشروع، بالأخف فالأخف، فلا يجوز قتله إن كان يندفع بما دون ذلك، وان لم يندفع الا بالقتل جاز قتله بعد إنذاره، ومن قتله هؤلاء وهو يدافعهم فنرجو أن يكون شهيدا إن شاء الله .

جاء في شرح صحيح مسلم للإمام النووي: باب دليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق كان القاصد مهدر الدم، وإن قتل كان في النار، وأن من قتل دون ماله فهو شهيد؛ فيه: أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت ان جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطه مالك. قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله. قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد. قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار. اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: السنة والإجماع متفقان على أن الصائل المسلم إذا لم يندفع صوله إلا بالقتل قتل وإن كان المال الذي يأخذه قيراطاً من دينار؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون حرمه فهو شهيد.

وفي منار السبيل لابن ضويان: ومن أريد بأذى في نفسه أو ماله أو حريمه دفعه بالأسهل فالأسهل. فإن اندفع بالأسهل حرم الأصعب لعدم الحاجة إليه. فإن لم يندفع إلا بالقتل قتله ولا شيء عليه، وإن قتل المصول عليه كان شهيداً لحديث أبي هريرة: جاء رجل فقال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطه. قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله. قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد. قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار. رواه أحمد ومسلم. وفي لفظ أحمد أنه قال له أولاً: أنشده الله، قال: فإن أبى؟ قال: قاتله. وعن ابن عمر مرفوعاً: من أريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد. رواه الخلال بإسناده. وهل يلزمه الدفع على روايتين، قال ابن سيرين: ما أعلم أحداً ترك قتال الحروري واللصوص تأثماً إلا أن يجبن. ذكره في الشرح... ويجب أن يدفع عن حريمه كأمه وأخته وزوجته ونحوهن إذا أريدت بفاحشة أو قتل. نص عليه لأنه يؤدي بذلك حق الله من الكف عن الفاحشة والعدوان. وحق نفسه بالمنع عن أهله، فلا يسعه إضاعة الحقين. وحريم غيره لئلا تذهب الأنفس وتستباح الحرم. انتهى.

وقال الشربيني في مغني المحتاج: (له) أي المصول عليه (دفع كل صائل) مسلماً كان أو كافراً، عاقلاً أو مجنوناً، بالغاً أو صغيراً، قريباً أو أجنبياً، آدمياً أو غيره (على ) معصوم من (نفس أو طرف) أو منفعة (أو بضع أو مال) لخبر: {من قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد}. رواه أبو داود والترمذي وصححه. وجه الدلالة أنه لما جعله شهيداً دل على أنه له القتل والقتال، كما أن من قتله أهل الحرب لما كان شهيداً كان له القتل والقتال. انتهى.

و قال ابن العربي: لا يقصد المصول عليه القتل إنما ينبغي أن يقصد الدفع، فإن أدى إلى القتل فذلك إلا أن يعلم أنه لا يندفع إلا بالقتل فجائز قصد قتله ابتداء.

وقال الشيخ خليل بن إسحاق –رحمه الله تعالى: وجاز دفع صائل بعد الإنذار للفاهم وإن عن مال، وقصد قتله إن علم أنه لا يندفع إلا به.

وقال الشيخ الدردير ممزوجا بكلام خليل: وجاز دفع صائل على نفس أو مال أو حريم. والمراد بالجواز الإذن فيصدق بالوجوب بعد الإنذار ندبا كما في المحارب للفاهم أي الإنسان العاقل بأن يقول له: ناشدتك الله إلا ما تركتني ونحو ذلك أي إن أمكن كما تقدم في المحارب, فإن لم ينكف أو لم يمكن جاز دفعه بالقتل وغيره. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني