الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قام شخص بإطلاق النار وقام آخر بخفض سلاحه فقتل وأصاب فما حكمهما؟

السؤال

في ظل الأزمة التي تحدث في سوريا قام أحد الشباب بمحاولة لتنظيم دور الحصول على أنبوبة غاز بإطلاق النار في الهواء، وقبل أن يطلق قام شخص آخر بخفض سلاحه قائلاً له تمهل، فانطلقت الرصاصات باتجاه الناس وقتلت شخصا وأصابت شخصين آخرين، فما حكم هذا الشخص والشخص الذي خفض سلاحه خصوصاً أن الناس اختلفوا عليه اختلافاً كبيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذا الخلاف الذي ذكره السائل مما يسوغ، لأنه لا يقطع في مثل الحال المذكورة بأن الرامي هو المباشر، ومَنْ وجَّه السلاح هو المتسبب، وإن كان هذا هو الظاهر، وتحديد من هو المباشر ومن هو المتسبب هو الذي يحدد من يترتب عليه الضمان، قال ابن قدامة في المغني: ومتى اجتمع المباشر مع المتسبب كان الضمان على المباشر دون المتسبب اهـ.

وجاء في الموسوعة الفقهية: لا خلاف بين الفقهاء في أن التعدي على الغير مباشرة هو من أقوى أسباب الضمان، كما اتفقوا في الجملة على أنه إذا اجتمع المباشر والمتسبب أضيف الحكم إلى المباشر، وإن اختلفوا في بعض الجزئيات، فالقاعدة: إذا اجتمع السبب والمباشرة أو الغرور والمباشرة قدمت المباشرة. اهـ.

ولم نجد من الفقهاء من نص على حكم المسألة محل السؤال، وأقرب ما وجدنا شبها بها، مسألة الدابة إذا كان يسوقها سائق ويقودها قائد، وعليها راكب، فوطئت إنسانا فقتلته، فعلى أيِّهم يكون الضمان؟ جاء في الدر المختار للحصفكي: والراكب عليه الكفارة في الوطء كما مر لا عليهما أي لا على سائق وقائد، ولو كان سائق وراكب لم يضمن السائق على الصحيح، خلافا لما جزم به القهستاني وغيره، لأن الإضافة إلى المباشر أولى من المتسبب كما مر، أي إذا كان سببا لا يعمل بانفراده إتلافا كما هنا. اهـ.

وقال ابن عابدين في حاشيته رد المحتار: قوله: والراكب عليه الكفارة في الوطء أي ولو وطئت إنسانا وهو راكبها وكذا الرديف فإنهما مباشران للقتل حقيقة بثقلهما، فيلزمها الكفارة، ويحرمان من الميراث، كالنائم إذا انقلب على إنسان .. قوله: لا عليهما، لأنهما متسببان بمعنى أنه لولا السوق أو القود لم يوجد الوطء، والكفارة جزاء المباشرة .. قوله: لم يضمن السائق على الصحيح اعلم أن الزيلعي قال: قيل: لا يضمن السائق ما وطئت الدابة، لأن الراكب مباشر والسائق متسبب، والإضافة إلى المباشر أولى، وقيل: الضمان عليهما، لأن كل ذلك سبب الضمان، ألا ترى أن محمدا ذكر في الأصل أن الراكب إذا أمر إنسانا فنخس المأمور الدابة فوطئت إنسانا كان الضمان عليهما فاشتركا في الضمان، فالناخس سائق، والآمر راكب، فتبين بهذا أنهما يستويان، والصحيح الأول لما ذكرنا كما مر، أي إذا كان سببا لا يعمل بانفراده إتلافا كما هنا... اهـ.

وعلى ذلك، فالضمان على من استعمل السلاح وأطلق منه النار، فيجب في حق القتيل: الدية على عاقلة الرامي، ويجب عليه هو الكفارة، وراجع في بيان ذلك الفتوى رقم: 17085.

وأما الجريحان فتجب الدية في جراحهما بحسبها، وتقدير ذلك مرده إلى القضاء الشرعي، وراجع لمزيد الفائدة الفتويين رقم: 1872، ورقم: 68159.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني