الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من كفر عن يمينه بالصيام مع قدرته على الإطعام

السؤال

أنا حنثت مرتين في يميني من زمان وعلي كفارة, وكفارة اليمين الواحدة لدينا بمئة ريال، على أي حال أنا صمت 3 أيام عن كل واحدة، لأني لم أكن أعلم بأن الأولوية للدفع، ووقتها كان لدي مال (تقريبا 400 ريال فقط ) لكن الآن المال الذي لدي تقريبا المئة والنصف.
فماذا علي أن أفعل هل أنتظر إلى أن أحصل على المال الذي يكفي للكفارة؟ وأيضا المال الذي لدي من مصروفي المدرسي لذا إن دفعته للكفارة فلن يبقى معي شيء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الكفارة بالصيام لا تصح إلا لمن عجز عن التكفير بإحدى الخصال الثلاثة الوارد في القرآن الكريم التخيير فيها؛ وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، ومن لم يجد شيئا من هذه الثلاثة فهو الذي ينتقل إلى صوم ثلاثة أيام؛ قال الله تعالى " فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ.. الآية
وعلى ذلك فإن ما فعلت من الصوم لا يجزئ عن الكفارة ما دمت في ذلك الوقت قادرة على إطعام عشرة مساكين.

وإذا عجزت الآن عن الإطعام : بقيت الكفارتان في ذمتك حتى تجدي ما تطعمين به ، ولا يجزئك الصيام لأنك كنت موسرة حين حنثت ، هذا عند الشافعية والحنابلة . وذهب الحنفية والمالكية إلى خلاف ذلك وأن المعتبر هو وقت الأداء، فيجزئك الصيام الآن لعجزك عن الإطعام .

قال في المغني لابن قدامة: لو وجبت الكفارة على موسر فأعسر , لم يجزئه الصيام . وبهذا قال الشافعي . وقال أبو ثور , وأصحاب الرأي : يجزئه ; لأنه عاجز عن المبدل فجاز له العدول إلى البدل , كما لو وجبت عليه الصلاة ومعه ماء فاندفق قبل الوضوء به . ولنا أن الإطعام وجب عليه في الكفارة , فلم يسقط بالعجز عنه , كالإطعام في كفارة الظهار , وفارق الوضوء ; لأن الصلاة واجبة , ولا بد من أدائها , فاحتيج إلى الطهارة لها في وقتها , بخلاف الكفارة . اهـ.

وفي الأم قال الشافعي رحمه الله تعالى : وإذا حنث الرجل موسرا , ثم أعسر لم يكن له أن يصوم ولا أرى الصوم يجزي عنه وأمرته احتياطا أن يصوم فإذا أيسر كفر وإنما أنظر في هذا إلى الوقت الذي يحنث فيه اهـ.

وجاء في بدائع الصنائع: ... ثم اختلف في أن المعتبر هو القدرة والعجز وقت الوجوب أم وقت الأداء , قال : أصحابنا رحمهم الله : وقت الأداء , وقال الشافعي رحمه الله : وقت الوجوب , حتى لو كان موسرا وقت الوجوب ثم أعسر جاز له الصوم عندنا وعنده لا يجوز , ولو كان على القلب لا يجوز عندنا وعنده يجوز... اهـ

وفي المنتقى للباجي: ( مسألة ) : فإن كان موسرا يوم الحنث فترك التكفير حتى أعسر فصام ثم أيسر فقد روى ابن المواز عن ابن القاسم أنه يعتق قال ولم أسمعه من مالك والمشهور عن مالك أنه يجزئه وجه القول الأول عندي الاستحباب والمشهور من قول مالك وأصحابه الاعتبار بحالة التكفير كمن يتمكن من الصلاة في أول الوقت فلم يؤدها حتى مرض فلم يقدر على القيام أنه يجزئه أن يصلي جالسا ولا قضاء عليه وإن أطاق بعد ذلك القيام . اهـ

ولا شك في أن أحوط المذاهب ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله تعالى، وإذا أردت الأخذ به فإنك تصومين عن هذه الكفارة، ثم إذا وجدت يسارا كفرت بالإطعام أو بغيره من الخصال المخير فيها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني