الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مفاسد تمثيل الصحابة أكثر من مصالحها

السؤال

أنا كنت من المتشددين في موضوع تمثيل الصحابة والتابعين, وكنت أرى أنها إهانة لهم, وتطاول على شخصياتهم، ولكني بعدما تابعت أحد المسلسلات رأيت العكس, بل عرفت من هم حقًّا, فأحببتهم على علم وبصيرة، ورأيت تأثير المسلسل فيّ, فإذا أردت فعل شيء ما تذكرت الصحابة، بالإضافة إلى أن الغزوات التي مثلت كانت ترفع الهمم وتعيد المجد, وأطفالنا اليوم يمجدون سوبرمان وغيره؛ لأنهم رأوا له فلمًا, وبعضهم يمجد أساطير الكفار مثل: هتلر وغيره؛ لأنهم رأوا لهم فلمًا, وعرفوا من هو, فلماذا نجعل أبطالنا دفناء الماضي؟ واليوم ليس كالسابق, فالشاشة اليوم تأخذ من الوقت ما الله به عليم، فلماذا لا نسخر هذا الباب لخدمة الإسلام والمسلمين؟ ولماذا نتشدد في هذه الأمور فنضيع منا مفاتيح نجاح؟ فبعضهم حرم الدش, وحرم الكاميرا, وحرم... وحرم... إلخ, فأنا أرى أن هذا فيه تضييق على المسلمين, وتنفير لهم, فدين الله واسع, ودين الله رحب, والدين صالح لكل زمان ومكان، وأرى أن الأفلام لها مفعولها القوي جدًّا جدًّا, ويجب على كل منتج لأي فلم إسلامي أن يضع هذه الشروط أمام عينيه، وأهمها أن لا يمثل الممثل دورًا آخر بعد الفلم، أي: لا يذهب ويمثل الأدوار الساقطة وغيرها, وإلا فيحرم من التمثيل كما يفعل بالممثلين الأمريكيين الذي يمثلون أساطيرهم، وأظن أنه باب خير, وتوضع له شروط من أهل العلم، وكفى تشددًا فقد ضاقت بنا الدنيا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلم - أيها السائل - أن الهيئات والمؤسسات الإسلامية العريقة، كهيئة كبار العلماء, واللجنة الدائمة للإفتاء, ومجمع الفقه الإسلامي, والمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي, ومجمع البحوث الإسلامية، قد منعت من تمثيل الصحابة - رضي الله عنهم - ونصت على أن ما فيها من مفاسد يزيد عن ما فيها من مصالح, وراجع الفتوى رقم: 185521.

وقال الشيخ جاد الحق شيخ الأزهر السابق بعد أن قرر حرمة تمثيل الأنبياء: بل إن هذا الحظر يمتد إلى الأصحاب الذين عاصروا الرسالة, وأسهموا في إبلاغها؛ لأن القدوة من بعد النبي صلى الله عليه وسلم في هؤلاء الأصحاب، ومن ثم كان لزامًا صونهم عن التمثيل والتشخيص، ويكفي أن نسمع أقوالهم مرددة من خلال الأصوات التالية لها, وأهيب بالمسئولين عن الثقافة في المسارح أن يعيدوا النظر فيما لديهم من قصص مستقاة من القرآن أو السيرة النبوية الشريفة، وأن يرفعوا منها كل ما كان فيه تشخيص لأحد الأنبياء, أو زوجه, أو ولده, ووالده, ووالدته, أو أحد أصحابه، فإنه إذا كانت المصلحة في تقريب هذه القصص تمثيلًا وتصويرًا للناس، إلا أن المفسدة في تجسيد النبي أو أحد هؤلاء الأقربين إليه عظيمة، والخطر منها أفدح، ولاشك أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح كما تقضى قواعد الشريعة الغراء. اهـ

وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 8238, وقد سبق أن ذكرنا للسائل في جواب سؤال له سابق: شروط جواز التمثيل، وذلك في الفتوى رقم: 184491, وللفائدة راجع الفتوى رقم: 3127.

وأما ما ذكره السائل من منع الممثل الذي يقوم بمثل هذه الأدوار من القيام بتمثيل أدوار ساقطة, فلا يخفى أن الواقع الذي نعيشه بعيدٌ كل البعد عن مثل هذا الضابط.

وفي النهاية نذكر بأن هذا الباب حين فتح دون مراعاة للمفاسد المترتبة عليه، قد وصل بالبعض لما هو أشد من تمثيل الصحابة، وهو إباحة تمثيل الأنبياء جميعًا, عليهم صلوات الله وسلامه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني