الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قصة سلمان مع أبي الدرداء

السؤال

سؤالي لفضيلتكم عن حديث رواه الإمام البخاري - رحمه الله تعالى – وهو يشغلني منذ مدة طويلة؛ لاستدلال الكثيرين من أصحاب الإسلام الجديد والمفرِّطون في الأحكام الشرعية به؛ لإجازة ما يفعلونه من محرمات, والله المستعان.
"زار سلمان الفارسي - رضي الله عنه - أخاه أبا الدرداء - رضي الله عنه - فما وجده, لكنه وجد أم الدرداء وهي متبذِّلة، فسألها عن شأنها, فقالت: أخوك أبو الدرداء ليس له بنا حاجة في الدنيا! فجاء أبو الدرداء، فصنع له طعامًا, فقال له: كُل, قال: فإني صائم, قال: ما أنا بآكل حتى تأكل, قال: فأكل, فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم قال: نَم، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نَم فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نَم, فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قُم الآن، فَصَلَّيَا, فقال له سلمان: إن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعطِ كل ذي حق حقّه، فأتى أبو الدرداء النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان. رواه البخاري"
وللأسف فكثيرون يستدلون بهذا الحديث استدلالات خاطئة, فأرجو من فضيلتكم تفنيدها, وهي:
• أن الأصل في الإسلام هو كشف الوجه لا تغطيته, وإلا فكيف عرف سلمان الفارسي - رضي الله عنه - عن تبذل أم الدرداء وعدم تزينها لزوجها؟ فإذا كانت مغطية وجهها, فما كان لسلمان - رضي الله عنه - أن يعلم تزينها من عدمه.
• ثم هم يقولون: إن في هذا دليلًا على جواز اختلاط الرجال بالنساء, بما يطلقون عليه ضوابط شرعية, ويستدلون بدخول سلمان - رضي الله عنه - على أم الدرداء - رضي الله عنها -.
أرجو من فضيلتكم التفصيل في الرد على الاستدلالين, وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان في هذا الحديث ما يشير إلى كشف الوجه فيحمل على كون ذلك قبل نزول آية الحجاب, فعن أم المؤمنين عائشة - رضي الله تعالى عنها - أنها قالت: "يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلَ، لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ:{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا" قال الإمام الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري شرح صحيح البخاري: "قَوْلُهُ: مُرُوطَهُنَّ جَمْعُ مِرْطٍ، وَهُوَ الْإِزَارُ ... قَوْلُهُ: فَاخْتَمَرْنَ أَيْ غَطَّيْنَ وُجُوهَهُنَّ" اهـ. وقال البغا في شرحه لصحيح البخاري: "وكانت هذه الزيارة وهذا الحوار قبل أن يُفرض الحجاب على المسلمات"

وأما الاختلاط فقد تقدم في الفتوى رقم: 118479 ما يجوز منه وما لا يجوز, وكلام سلمان الفارسي مع أم الدرداء - رضي الله تعالى عنهما - يفهم في هذا السياق, فإن مجرد كلام الرجل مع المرأة لحاجة، مع أمن الفتنة ومراعاة ما يجب عليها من الستر لم يُحرِّمه الله تعالى، قال المباركفوري في شرح الترمذي: "وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ - حديث سلمان المسؤول عنه - من الفوائد: مشروعية المؤاخاة فِي اللَّهِ, وَزِيَارَةُ الْإِخْوَانِ, وَالْمَبِيتُ عِنْدَهُمْ, وَجَوَازُ مُخَاطَبَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ لِلْحَاجَةِ, وَالسُّؤَالِ عَمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْمَصْلَحَةُ" اهـ, وراجع الفتوى: 30792.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني