الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الخروج على ولاة الأمور.. رؤية شرعية

السؤال

هل الذي حصل بليبيا ومصر وغيرها من الدول خروج على ولاة الأمر؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالخروج على ولاة الأمور يسميه الفقهاء بغيًا، ولا يصدق هذا الوصف على فئة من الناس إلا بشروط، يمكن إجمالها بما جاء في الموسوعة الفقهية: يتحقق البغي بما يلي:

أ - أن يكون الخارجون على الإمام جماعة من المسلمين لهم شوكة، وخرجوا عليه بغير حق لإرادة خلعه بتأويل فاسد, فلو خرج عليه أهل الذمة لكانوا حربيين لا بغاة, ولو خرجت عليه طائفة من المسلمين بغير تأويل ولا طلب إمرة لكانوا قطاع طريق، وكذا لو لم يكن لهم قوة ومنعة ولا يخشى قتالهم ولو كانوا متأولين, ولو خرجوا على الإمام بحق - كدفع ظلم - فليسوا ببغاة، وعلى الإمام أن يترك الظلم وينصفهم، ولا ينبغي للناس معونة الإمام عليهم؛ لأن فيه إعانة على الظلم، ولا أن يعينوا تلك الطائفة الخارجة؛ لأن فيه إعانة على خروجهم واتساع الفتنة ...

ب - أن يكون الناس قد اجتمعوا على إمام وصاروا به آمنين والطرقات به آمنة؛ لأنه إذا لم يكن كذلك يكون عاجزًا أو جائرًا ظالمًا، يجوز الخروج عليه وعزله، إن لم يلزم منه فتنة، وإلا فالصبر أولى من التعرض لإفساد ذات البين.

ج - أن يكون الخروج على سبيل المغالبة، أي بإظهار القهر, وقيل: بالمقاتلة؛ وذلك لأن من يعصي الإمام لا على سبيل المغالبة لا يكون من البغاة، فمن خرج عن طاعة الإمام من غير إظهار القهر لا يكون باغيًا.

د - وصرح الشافعية باشتراط أن يكون للخارجين مطاع فيهم، يصدرون عن رأيه، وإن لم يكن إمامًا منصوبًا؛ إذ لا شوكة لمن لا مطاع لهم, وقيل: بل يشترط أن يكون لهم إمام منصوب منهم. اهـ.

وقال الحطاب في مواهب الجليل: قال ابن عبد السلام: ولفظة "مغالبة" كالفصل أو كالخاصة؛ لأن من عصى الإمام لا على سبيل المغالبة لا يكون من البغاة انتهى. ونحوه في التوضيح، ونصه: وإخراج الخروج عن طاعة الإمام من غير مغالبة فإن ذلك لا يسمى بغيًا. اهـ, وكأنهم يعنون بالمغالبة المقاتلة, فمن خرج عن طاعة الإمام من غير مغالبة لا يكون باغيًا, ومثال ذلك ما وقع لبعض الصحابة ـ رضي الله عنهم وحشرنا في زمرتهم وأماتنا على محبتهم وسنتهم ـ أنه مكث أشهرًا لم يبايع الخليفة ثم بايعه - رضي الله عنهم أجمعين - اهـ.

وقد سبق لنا في الفتوى رقم: 64926 أن انتقاد الأوضاع الفاسدة, وبيان الحقائق, وإنكار المنكر الظاهر حسب المراتب المبينة في الحديث ليست خروجًا على السلطان, ولا بغيًا على الإمام, وبعض الناس قد يخطئ فيظن أن كل من أمر بمعروف, أو نهى عن منكر, أو دعا إلى إصلاح أنه خارج على ولي الأمر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني