الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحذر من مخالطة أهل البدع

السؤال

في المدرسة والمنزل أخالط كثيرًا أصحاب مذاهب واعتقادات باطلة - صوفية وأشاعرة - وأحيانًا يلقون شبهًا, فأحاول قدر استطاعتي الابتعاد عنها, والرد عليهم، لكني لا أعلم ما حكم مخالطتي لهم مع أني لا أقرهم على ما يفعلون؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله لنا ولك السلامة في الدين والثبات عليه، ولا يكون ذلك بعد توفيق الله سبحانه وتعالى إلا بالعلم النافع، والبعد عن الشبهات ومواطن الهلكة.

واعلمي أن مخالطة أهل البدع والشبهات ومن تلبس بها خطر على دين المسلم - وإن لم يقرهم على باطلهم - ؛ فإن القلوب ضعيفة والشبه خطافة، والأصل في المنع من مخالطتهم قوله صلى الله عليه وسلم: مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ [أي: فليبتعد منه]، فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ، مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ، أَوْ: لِمَا يَبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ. رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني

قال ابن بطة العكبري في الإبانة الكبرى عقب هذا الحديث: هَذَا قَوْلُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ, فَاللَّهَ اللَّهَ مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ, لَا يَحْمِلَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ حُسْنُ ظَنِّهِ بِنَفْسِهِ, وَمَا عَهِدَهُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِصِحَّةِ مَذْهَبِهِ عَلَى الْمُخَاطَرَةِ بِدِينِهِ فِي مُجَالَسَةِ بَعْضِ أَهْلِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ, فَيَقُولُ: أُدَاخِلُهُ لِأُنَاظِرَهُ, أَوْ لِأَسْتَخْرِجَ مِنْهُ مَذْهَبَهُ, فَإِنَّهُمْ أَشَدُّ فِتْنَةً مِنَ الدَّجَّالِ, وَكَلَامُهُمْ أَلْصَقُ مِنَ الْجَرَبِ, وَأَحْرَقُ لِلْقُلُوبِ مِنَ اللَّهَبِ, وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَمَاعَةً مِنَ النَّاسِ كَانُوا يَلْعَنُونَهُمْ, وَيَسُبُّونَهُمْ, فَجَالَسُوهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ, وَالرَّدِّ عَلَيْهِمْ, فَمَا زَالَتْ بِهِمُ الْمُبَاسَطَةُ وَخَفْيُ الْمَكْرِ, وَدَقِيقُ الْكُفْرِ حَتَّى صَبَوْا إِلَيْهِمْ. انتهى.

وعليه: فيجب الحذر من مخالطتهم إن استطعتِ ذلك، فإن لم تستطيعي لوجودهم معك في المدرسة والمنزل فلا تجادليهم ولا تناقشيهم في هذه الأمور.

قال ابن عبد البر في الاستذكار: وَالَّذِي عِنْدِي أَنَّ مَنْ خُشِيَ مِنْ مُجَالَسَتِهِ وَمُكَالَمَتِهِ الضَّرَرُ فِي الدِّينِ, أَوْ فِي الدُّنْيَا, وَالزِّيَادَةُ فِي الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ, فَهِجْرَانُهُ وَالْبُعْدُ عَنْهُ خَيْرٌ مِنْ قُرْبِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْفَظُ عَلَيْكَ زَلَّاتِكَ, وَيُمَارِيكَ فِي صَوَابِكَ, وَلَا تَسْلَمُ مِنْ سُوءِ عَاقِبَةِ خُلْطَتِهِ.

وأما ما ذكرتِ من مناظرتهم أحيانًا فاعلمي أن الأسلم للدين هو البعد عن مناظرة أصحاب البدع والشبهات, إلا من كان راسخًا في العلم, قوي الحجة, لديه ما يؤهله لمناظرتهم ومجادلتهم ودحض شبهاتهم.

ونوصيك بعد الاستعانة بالله أن تعمري وقتك بالعلم الشرعي، فبه سيتبين لك أن ما يلقونه إنما هي شبه لا تساوي شيئًا في ميزان العلم.

ولمزيد بيان راجعي الفتاوى التالية: 66092، 19998، 161757.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني