الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التائب المستقيم المجتب المعاصي ينجو من عذاب القبر، وعذاب الآخرة

السؤال

أولًا: أريد أن أشكركم على ما تقدمونه من إرشادات ومساعدات، وأسأل الله أن يوفقكم لما يحب ويرضى.
أنا شاب عمري 21 سنة, وأريد أن أتوب لله, وأسأل الله أن يوفقني, ولدي ذنوب مع ربي, فهل يمكنني دخول الجنة دون عذاب في القبر والآخرة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الله عز وجل من أسمائه التواب، وهو سبحانه يحب التائبين، كما قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ {البقرة:222}.

والله جل وعلا يفرح بعبده إذا تاب إليه، فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة، فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح. أخرجه الشيخان، واللفظ لمسلم.

والعبد إذا تاب فإن الله يغفر له ذنبه مهما كان عظيمًا، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}، بل إن الله بفضله وكرمه يبدل سيئات التائبين حسنات، كما قال سبحانه: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان:70}

فعليك أن تحسن ظنك بالله، وأن تتضرع إليه سبحانه أن يمن عليك بتوبة نصوح، وبادر بالتوبة قبل أن تموت فيغلق بابها دونك.

والعبد إذا تاب وصدق في توبته، واستقام على طاعة الله، واجتنب المعاصي، فإنه ينجو من عذاب القبر، وعذاب الآخرة - بإذن الله -، فإن التائب من الذنوب لا يعاقب عليها في القبر ولا في الآخرة، قال ابن تيمية: ولهذا كان الوعيد المطلق في الكتاب والسنة مشروطًا بثبوت شروط وانتفاء موانع، فلا يلحق التائب من الذنب باتفاق المسلمين. اهـ.

وقال ابن القيم: وقد دل النص والإجماع على أن التوبة مانعة من لحوق الوعيد. أهـ .

وأعظم سبيل للنجاة هو تحقيق توحيد الله والإيمان به وتقواه، وأداء الفرائض وترك المعاصي، فمن فعل ذلك لم يدخل النار أبدًا - بفضل الله -، فقد قال تعالى - في ذكر ثواب المتقين -: لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ {الدخان:56}، وقال سبحانه: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا {مريم:72،71}،

وقال صلى الله عليه وسلم: حرم الله على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله تعالى. أخرجه مسلم.

قال النووي: مذهب أهل السنة بأجمعهم من السلف الصالح وأهل الحديث والفقهاء والمتكلمين على مذهبهم من الأشعريين أن أهل الذنوب في مشيئة الله تعالى, وأن كل من مات على الإيمان, وتشهد مخلصًا من قلبه بالشهادتين فإنه يدخل الجنة, فإن كان تائبًا أو سليمًا من المعاصي دخل الجنة برحمة ربه, وحرم على النار بالجملة. اهـ.

وقد بينا الأسباب المنجية من عذاب القبر في الفتوى: 30742.

وذكرنا بعض الأعمال المنجية من النار في الفتويين: 65215 - 107812.

و لمعرفة شروط التوبة وأحكامها راجع الفتويين: 5450 - 111852.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني