الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية التعامل مع حيات البيوت وحكم استعمال الملح في الرقية

السؤال

هل صحيح أن الجن تكون حيات, وتقتل الإنسان إن لم يقتلها بأن يقول لها: بسم الله ثلاثًا؟ وكيف نقتل الحية عندما نراها؟وأود السؤال عن صحة هذا المقال؟ والمقال هو: (إن عالم الجن والشياطين عالم غيبي له ناموسه الخاص به، وقد بينت بعض النصوص القرآنية والحديثية بعض الأمور المتعلقة بهذا العالم – كطعامهم, وشرابهم, وأنواعهم - وهناك نوع من أنواع الجن والشياطين يظعنون ويعيشون معنا, وقد تقع منهم بعض الأمور المحسوسة التي تؤثر على عالم الإنس بطريقة أو بأخرى، كما ثبت من حديث أبي ثعلبة الخشبي - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الجن ثلاثة أصناف، فصنف لهم أجنحة يطيرون بها في الهواء، وصنف حيات وكلاب، وصنف يحلون ويظعنون) (صحيح الجامع 32114), فهذا النوع من الجن - وهو العمار - يعيش في البيوت, وقد تصدر منهم بعض التصرفات العدوانية - خاصة إن كانوا من العصاة أو الكفرة - وطريقة العلاج تكمن في المحافظة على البيت وتطهيره من المعاصي – كالصور, والمجسمات, والأغاني, ونحوه - وكذلك المحافظة على الأذكار والأدعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وتحصين البيت بقراءة سورة البقرة.
ومن الأمور الهامة والنافعة - بإذن الله تعالى - القراءة في المنزل من قبل معالج متمرس حاذق يستطيع التعامل مع هذا النوع بالذات بسبب عدوانيتهم وقوتهم وبطشهم، ودعوتهم إلى الله سبحانه بالحكمة والموعظة الحسنة، والتحريج عليهم ثلاثًا لمغادرة المنزل وعدم إيذاء أهله - وغالبًا ما يستجيبون لذلك -وهناك أمر مجرب, وفيه نفع - بإذن الله - وقد سبق الإشارة إليه في مواضع أخرى من هذا الكتاب، وهو رش الماء والملح بعد القراءة عليه في أركان البيت وزواياه، وطبيعة الجن والشياطين لا تحب الملح ولا تستسيغه، ولأجل ذلك فقط ينصح به دون الاعتقاد فيه، وقد سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن حكم رش الماء والملح في زوايا المنزل فأجاب – حفظه الله – بأنه لا يرى بأسًا بذلك دون الاعتقاد فيه، واعتبار ذلك من الأسباب الحسية المباحة لطرد الأرواح الخبيثة؛ لأنها تتأذى من ذلك الفعل، وقد عرج على هذه الفتوى في كتابي الموسوم: (منهج الشرع في علاج المس والصرع) تحت عنوان: (علاج البيوت المسكونة) فلتراجع.
علمًا بأن هناك نوع من الجن العمار المسلم الذي يعيش معنا في المنازل والبيوت، وهذا النوع قد تجده من العباد بل قد يكون أحرص من ساكني المنزل على القيام بالفرائض والنوافل والطاعات، وقد يعين إخوانه المسلمين من الإنس على الطاعة والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وقد أورت بعض القصص المتعلقة بهذا الموضوع في كتابي الموسوم: (منهج الشرع في بيان المس والصرع) تحت عنوان: (الهواتف) فلتراجع.
وما يهمنا تحت هذا العنوان هو كيفية التعامل مع صنف من الأصناف التي قد نعيش معنا في بيوتنا الإسلامية حرصًا على التصرف بطرق شرعية حتى لا نتعرض لإيذاء هذا الصنف إلا وهو (الحيات) التي في الأصل هي من الجن أو الشياطين, كما ثبت في الحديث المذكور آنف الذكر.
إن الدين الإسلامي قد شرع الشرائع وأوضح الأحكام المتعلقة بكافة جوانب الحياة - سواء كانت تلك الأحكام بخصوصها, أو عمومها - ولم يترك على الإطلاق ناحية من نواحي الدين والدنيا إلا وبينها لنا, وحدد معالمها وأطرها، وقد تكون أمثال تلك الحيات والعقارب من الجن أو الشياطين؛ لما ثبت من حديث أبي ثعلبة الخشبي – رضي الله عنه – آنف الذكر، ولما ثبت أيضًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبا السائب دخل على أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – في بيته، فوجده يصلي، قال: فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته، فسمعت تحريكًا في عراجين في ناحية البيت، فالتفت، فإذا حية، فوثبت لأقتلها، فأشار إليّ أن اجلس، فجلست، فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار، فقال: أترى هذا البيت؟ قلت: نعم, قال: (كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس، قال: فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار، فيرجع إلى أهله، فاستأذنه يومًا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذ عليك سلاحك) فإني أخشى عليك قريظة، فأخذ الرجل سلاحه، ثم رجع، فإذا امرأته بين البابين قائمة، فأهوى إليها بالرمح ليطعنها، وأصابته غيرة، فقالت له: اكفف عليك رمحك، وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني، فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش، فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به، ثم خرج، فركزه في الدار فاضطربت عليه، فما يدري أيهما كان أسرع موتًا: الحية أم الفتى؟ قال: فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له، وقلنا: ادع الله يحييه لنا، فقال: (استغفروا لصاحبكم)، ثم قال: (إن بالمدينة جنًّا قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئًا فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه، فإنما هو شيطان).

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد سبق لنا الكلام على حيات البيوت, وكيفية التعامل معها, والتحريج عليها، فراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 4688، 55596، 196181, كما سبق لنا في الفتويين: 9591، 97858 بيان الهيئات التي يتشكل بها الجن.

وأما بالنسبة للمقال الذي نقل السائل بعضه، فهو صحيح في الجملة, وفيه مسألة هي محل نظر وخلاف بين أهل العلم، وهي مسألة استعمال الملح في الرقية، فقد رخص فيها بعض أهل العلم، كالشيخ ابن جبرين, وكذلك الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ كما في فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: 1/94.
ومنعها آخرون، كالشيخ ابن عثيمين، حيث سئل في لقاءات الباب المفتوح: هل يجوز القراءة على الملح ونفخه في أرجاء البيت للاحتراز من الشياطين وغيرهم؟ فأجاب: لا, هذا غير صحيح، قولهم: إنه إذا قرأ على الملح وذره في البيت لا تقربه الشياطين، هذا خطأ وليس بصحيح، ولا يجوز العمل به. اهـ.
والذي يترجح عندنا أن الأولى اجتناب ذلك؛ لأنه لم يرد عن السلف فعله، لكن إن ثبت بالتجربة نفعه, وكان من يفعله أو يخبر بنفعه ممن يوثق بدينه, ويصدق في خبره، فلا بأس بذلك. وللمزيد يمكن مراجعة الفتوى: 178657.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني