الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يجب على الزوجة طاعة زوجها بلبس الخمار

السؤال

أنا طالب ماجستير أصول الفقه, وكنت خطيبا سابقا في بعض المساجد, وزوجتي ـ التي هي بنت عمي ـ مدرسة للتربية الإسلامية للبنات ولي منها ثلاثة أولاد, وهي امرأة عفيفة متدينة موحدة, وأحبها وأغار عليها غيرة شديدة جدا, فنصحتها أن تلبس الخمار ولكنها اعتذرت بأنه ليس بواجب، وعندما أتيتها بالدليل الراجح على وجوبه وأسمعتها الدروس والمواعظ على فضيلته ولبسه, اعتذرت أيضا بأنها لم تعتده, فأمهلتها خمس سنين ونصحتها وأسمتعها المواعظ وتذكر اليوم الآخر وأمرتها بلبسه ورغبتها فيه وبينت لها وقلت لها أنت عرضي وهذا من حقي عليك أن تحافظي عليه من نظرات الذئاب المسمومة, ولا أسامحك إذا أحد نظر إليك بسوء بسببك, وأنه ليؤذيني ذلك كثيرا ـ أسأل الله أن يستر نساءنا وجميع نساء المسلمين ـ وإذا ألزمتها بلبسه, فستنفر وتغضب وتطلب الطلاق, وعندما سألتها: يا حبيبتي أم عبدالله, أخبريني ما السبب الذي يمنعك من لبسه؟ فأجابت أنها غير مقنعة به، وإنه ليؤذينني ذلك, ولا أدري ما هو الحل؟ والأمر الآخر الذي زادني هما وأذى: أن المدرسات اللاتي معها غير ملتزمات فهن يلبسن المخالف للشرع ويتزين, ووزوجتي قد افتتنت بشيء منهن فاشترت ـ وهي برفقة أمها ـ عباءة إسلامية فيها ضيق قليل ـ مخصرة من الوسط ـ فغضبت غضبا شديدا وحصلت مشاحنة شديدة, ثم وسعتها قليلا, ولكنني لا أزال أراها غير شرعية ـ ضيقة من المنتصف ـ وأعلمتها أنني لست راضيا تماما عليها, ولكنها لا تزال تلبسها وعندها ثلاث غيرها, وهذا مما زادني هما, فإذا نصحتها بتركها, ونونت وغضبت وتظلمت, ووالله لا أريد أن أضيق عليها إلا بما أراه مخالفا للشرع بعد أن أتبين بالسؤال والبحث وأبين لها ذلك، لأنني لست بحاجة إلى مشاكل وأحبها, ولكن حب الله ورضاه أولى وأعظم والغيرة على الدين والعرض والمحافظة عليه واجبة، لأنني إذا سمحت اليوم بالخرم الصغير فسيكبر وتكون المصيبة أعظم وأكبر ـ عافانا الله والمسلمين ـ وإنها لمسؤلية وأمانة نسأل عنها يوم القيامة، قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {التحريم:6} وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَهِيَ مَسْئُولَةٌ، وَالعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ ـ رواه البخاري, باب: قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ـ رقم: 5188ـ وإني أظن أن هذه المشكلة ليست خاصة بي فحسب, بل تحصل كثيرا بين الأزواج ويحاولون أن يجدوا لها حلاً، أطلب منكم المشورة والنصح في هذا الأمر, فهل أنا حقا ظالم لها كما تقول وعلي ترك نصحها أو إلزامها؟ أم ماذا ينبغي علي فعله؟ وأعتذر على الإطالة، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد ذكرت عن زوجتك كثيرا من الصفات الحسنة التي قلما تجتمع في امرأة في هذا الزمان، نسأل الله أن يزيدها هدى وتقى وصلاحا وأن يقر بها عينك إنه جواد كريم، ولم تبين لنا حقيقة هذا الخمار الذي تمتنع زوجتك عن لبسه، وهو يحتمل أن يكون غطاء الوجه أي النقاب، ويحتمل أن يكون غطاء الرأس، فإن كان الأول ـ ويبدو أنه المقصود ـ فلا يخفى عليك أن العلماء قد اختلفوا في حكمه، وسبق لنا ذكر أقوالهم في ذلك وأدلتهم والراجح منها عندنا وهو الوجوب، فانظر الفتوى رقم: 4470.

ولكن قد تكون زوجتك مترجحا عندها القول بعدم الوجوب، أو استفتت من تثق به وعملت بمقتضى ذلك، فإذا كان الأمر كذلك فقد بينا في فتوى سابقة الحكم فيما إذا رأت الزوجة مشروعية أمر ما ورأى الزوج خلافه، فراجع الفتوى رقم: 7897، وأوضحنا فيها أنها لا يجب عليها طاعته فيه، ولو أنها فعلت لكان أفضل، لأن هذا أحوط وأبعد عن الفتن وأسبابها وأدعى لأن تكسب ود زوجها.

وإن كان المقصود غطاء الرأس وما يتبعه كجيب الصدر: فهذا لا خلاف في وجوبه، فيجب على المرأة الالتزام بهذا الحجاب ولو لم يأمرها زوجها، فإذا أمرها تأكد في حقها الوجوب، وعظم عليها الإثم بالمخالفة، وراجع الفتوى رقم: 63625، ففيها بيان فرضية الحجاب وكيفية إقناع المرأة به.

والعباءة المذكورة إن كانت لا تزال ضيقة بعد توسيعها لها فلا يجوز لها لبسها، وأما إن أصبحت واسعة وخرجت عن حد المخالفة الشرعية، وترغب أنت في أن تكون فضفاضة أكثر فلا بأس بأن تطلب منها ذلك، ولكن لا تجعله مثارا للخلاف بينكما.

وعلى كل حال، فإننا نوصيك بالتلطف بها، فالرفق هو الأصل في الدعوة، وهو الأرجى لأن يثمر خيرا، روى مسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه.

واعمل على تزكية نفسها وزيادة إيمانها بعقد حلقة ذكر وعلم في البيت، فزيادة الإيمان تثمر الاستجابة والنشاط في الطاعة، روى البخاري عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت:.. إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل لا تزنوا لقالوا: لا ندع الزنا أبدا.. الحديث.

وضعف الإيمان هو الذي يؤدي غالبا إلى التفريط فتنبه لهذا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني