الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الشهادة لمن مات على الكفر بالنار

السؤال

هل القول بأن الكافر المعين إذا مات فإن مصيره النار - كما هو على وجه العموم – أي: هل إذا قلنا إن فلانًا الذي مات كافرًا في النار - مثل بعض أهل البدع المكفرة - من التألي على الله؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن القطع بكون شخص معين لا بد أن يلج النار يحتاج إلى مستند من الشرع بخصوص ذلك الشخص, وهذا لا يؤثر على ما علم من كون من دان بغير دين الإسلام من أهل النار أو مستحقًا للنار - كما هو متقرر عند العلماء أنه لا يشهد لمعين بالنار إلا من شهد له الوحي بذلك, مع القطع بأن كل من مات كافرًا فهو من أهل النار.

وأما عن دخول هذا الأمر في التألي: فإن التألي في الأصل هو الحلف, كأن يقول العبد: والله لا يغفر الله لفلان أو والله ليدخلنه الله النار، ولكن من جزم وقطع بدخول شخص النار فهذا في معنى التألي, ففي صحيح مسلم وغيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث أن رجلًا قال: والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى عليّ أن لا أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك.

وقد قال المباركفوري في شرح المشكاة: (قال: من ذا الذي يتألى عليّ) بفتح الهمزة وتشديد اللام المفتوحة أي: يتحكم علي, ويحلف باسمي من الألية اليمين، يقال: آلى يؤلي إيلاء وائتلى يأتلي ائتلاء وتألى يتألى أي: حلف, والاسم الألية (إني لا أغفر لفلان) وهذا استفهام إنكار فلا يجوز لأحد الجزم بالجنة أو النار أو عدم المغفرة إلا لمن ورد فيه النص (فإني قد غفرت لفلان) أي: رغمًا لأنفك (وأحبطت عملك) قال المظهر: أي: أبطلت قسمك وجعلت حلفك كاذبًا؛ لما ورد في حديث آخر من يتأل على الله يكذبه (أي: من حكم وحلف نحو والله ليدخل الله فلانًا النار أبطل قسمه وجعل حلفه كاذبًا). اهـ

وجاء في تيسير العزيز الحميد: قوله يتألى" أي: يحلف, والألية بالتشديد الحلف, وصح من حديث أبي هريرة, قال البغوي في شرح السنة وساق بالسند إلى عكرمة بن عمار قال: دخلت مسجد المدينة فناداني شيخ, قال: يا يمامي تعال, وما أعرفه قال: لا تقولن لرجل والله لا يغفر الله لك أبدًا ولا يدخلك الجنة, قلت: ومن أنت يرحمك الله, قال: أبو هريرة, فقلت: إن هذه كلمة يقولها أحدنا لبعض أهله إذا غضب أو لزوجته أو لخادمه, قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن رجلين كانا في بني إسرائيل متحابين: أحدهما مجتهد في العبادة, والآخر كأنه يقول مذنب, فجعل يقول: أقصر عما أنت فيه, قال فيقول: خلني وربي, قال: فوجده يومًا على ذنب استعظمه, فقال: أقصر, فقال: خلني وربي, أبعثت عليّ رقيبًا, فقال: والله لا يغفر الله لك, ولا يدخلك الجنة أبدًا, قال: فبعث الله إليهما ملكًا فقبض أرواحهما فاجتمعا عنده, فقال للمذنب: ادخل الجنة برحمتي, وقال للآخر: أتستطيع أن تحظر على عبدي رحمتي, قال: لا يا رب, قال" اذهبوا به إلى النار, قال أبو هريرة: والذي نفسي بيده تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته. رواه أبو داود في سننه, وهذا لفظه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - يقول: كان رجلان في بني إسرائيل متآخين, فكان أحدهما يذنب, والآخر مجتهد في العبادة, فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب, فيقول: اقصر فوجده يومًا على ذنب, فقال له: أقصر, فقال: خلني وربي, أبعثت عليّ رقيبًا, قال: والله لا يغفر الله لك ولا يدخلك الجنة, فقبضت أرواحهما فاجتمعا عند رب العالمين, فقال لهذا المجتهد: أكنت بي عالمًا أو كنت على ما في يدي قادرًا؟ فقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة, وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار. اهـ

وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: هل يجوز إطلاق الكفر على الشخص المعين إذا ارتكب مكفرًا؟ فأجاب قائلًا: إذا تمت شروط التكفير في حقه جاز إطلاق الكفر عليه بعينه, ولو لم نقل بذلك ما انطبق وصف الردة على أحد، فيعامل معاملة المرتد في الدنيا، هذا باعتبار أحكام الدنيا، أما أحكام الآخرة فتذكر على العموم لا على الخصوص؛ ولهذا قال أهل السنة: لا نشهد لأحد بجنة ولا نار إلا لمن شهد له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انتهى.

وراجع في الفتوى رقم: 95311.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني