الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأولى بناء فسقية للدفن أو نبش قبرٍ والدفن فيه

السؤال

نظرا لعدم وجود أماكن للدفن متيسرة في الكثير من المقابر فهل يجوز بناء فسقية للدفن فوق لحد به موتى وهؤلاء الموتى من نفس الأسرة أرجو الإجابة على هذا السؤال أفادكم الله وجعل هذه الأعمال في ميزان حسناتكم اللهم آمين--- مع العلم أنه لا مساس مطلقا بهؤلاء الذين في داخل اللحد

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن المسألة المذكورة لا تخلو من واحدة من صورتين:
الصورة الأولى: أن ينبش القبر، ثم يبنى عليه الفسقية المذكورة، ويدفن فيها أموات آخرون، فجمهور العلماء على أنه يجوز نبش القبور المندرسة التي غلب على الظن أنه لم يبق فيها للأموات أثر، قال في أسنى المطالب: يحرم نبش القبر قبل البِلى عند أهل الخبرة بتلك الأرض، لهتك حرمة الميت، فإن بلي، بأن انمحق جسمه وعظمه وصار تراباً، جاز نبش قبره ودفن غيره فيه. انتهى
وقد سبق بيان ذلك بضوابطه مفصلاً في الفتوى رقم:
19135 والفتوى رقم: 7713.
وبناء الفسقية بالآجر والجُص لا يجوز إلا للضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، ومثال الضرورة: الخوف على الأموات من السباع، أو انهدام القبر بسيل ونحوه.
قال في تحفة المحتاج: نعم إن خُشي نبش أو حفر سبع أو هدم سيل لم يكره البناء والتجصيص بل قد يجبان. انتهى
فإذا دعت الضرورة إلى بناء الفسقية فلا يجوز رفعها عن سطح الأرض إلا بقدر الضرورة الداعية إلى أصل بنائها، لورود النهي الأكيد عن رفع القبر فوق سطح الأرض أكثر من شبر، وقد مضى بيان ذلك في الفتوى رقم:
504 والفتوى رقم:
14138.
الصورة الثانية: أن تبني الفسقية فوق القبر دون أن ينبشه ويدفن الأموات فوق الأموات، وقد سبق بيان حكم بناء الفساقي على القبور، أما دفن الأموات فوق الأموات، فهذا لا يجوز إلا عند الضرورة، لقول جابر رضي الله عنه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يبنى على القبر أو يزاد عليه أو يجصص. زاد سليمان بن موسى : أو يكتب عليه. رواه النسائي وصححه الألباني.
قال الشوكاني في نيل الأوطار: وقيل: المراد بالزيادة عليه، أن يقبر ميت على قبر ميت آخر. انتهى.
ولأن هذا الفعل يؤدي إلى وطء قبور الأموات الأولين وهو منهي عنه، في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه، فتخلص إلى جلده، خير له من أن يجلس على قبر. رواه مسلم عن أبي هريرة.
فإذا دعت ضرورة لوطء القبر جاز، لأن الضرورات تبيح المحظورات، قال الشافعي في الأم: وأكره وطء القبر والاتكاء عليه، إلا أن لا يجد الرجل السبيل إلى قبر ميته إلا بأن يطأه، فذلك موضع ضرورة، فأرجو حينئذ أن يسعه إن شاء الله تعالى. انتهى
وقال في أسنى المطالب -شافعي-: وفهم منه بالأولى عدم كراهة الوطء لضرورة الدفن. انتهى
وبناءً على ذلك، فإننا نرى في هذه الصورة، أن نبش القبر أولى إذا غلب على ظنه عدم بقاء أثر لمن قبر فيه، فإن لم يغلب على ظنه ذلك، فليدفن فوقهم، وليتحاش الوطء قدر إمكانه، فإن لم يكن ثَم ضرورة لدفنهم في هذه المقبرة فلا يجوز لما سبق ذكره.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني