الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أنا صاحبة السؤال رقم: 2419385, وهذه الأسئلة تجعلني حائرة حقًّا, فأجيبوني عنها لأرتاح - بإذن الله - فقد كنت في الماضي - قبل أن أعرف أن الاستهزاء بالدين كفر - أقول الكثير من الأمور التي أعتقدها استهزاء كفريًا, وقد أقلعت عن ذلك, وعزمت على عدم العودة إليها, وندمت, وقلت: هذا مجزئ لعودتي إلى الإسلام, إضافة إلى أني مرة بكيت بشدة على ماضيَّ السيئ عمومًا, وكنت دائمًا أقول - إضافة إلى ما سبق -: سوف أكثر البكاء, وسأداوم على كثرة الاستغفار, لكنّ هذا لم يحدث لعجزي, وانشغالي بشهواتي التي على رأسها التفكير في عالمي الخيالي, وقبل عدة أيام فكرت: ماذا لو كانت الحالة الأولى والثانية كفرًا حقيقيًا, فأنا اكتفيت بالندم, والعزم على عدم العودة للذنب, والإقلاع عنه, وقلت: أنا لا أجزم بكفري, وكنت قد بعثت بسؤالي لأحد المواقع الذي تطول إجابته, أو لا تأتي, وكنت قد قلت: سيتضح أمري بعد إرسال الفتوى, وأكملت عيش حياتي بشكل عادي, لكني بدأت أفكر: ماذا لو كان كفرًا حقًّا؟ وماذا عن الأعمال التي أظن أنها كفرية, والتي فعلتها في السابق؟ أتكفي حقًّا تلك التوبة؟ فأنا أقرأ عن أناس يفقدون الشهية, ولا ينامون من التفكير, وقلوبهم وجلة من الذنب الذي اقترفوه, والذي أحيانًا لا يصل للكفر, وعندما تسمع إجابة المفتي يقول: واصلوا الاستغفار, والطاعات, وشدة الندم, وأنا أعجز عن الاستغفار كثيرًا, وأواصل حياتي بمتعة, وأقترف الكبائر, وشككت: أهذا كافٍ لأكون مسلمة؟ وماذا لو كانت الحالة الأولى والثانية كفرًا حقيقيًا؟ وأنا غارقة مع شهواتي, والتي على رأسها التفكير في عالمي الخيالي الذي يأخذ الكثير من وقتي, وأفكر فيه في كل أحوالي تقريبًا, والمشكلة تكمن في لحظات التفكير تلك في حقيقة ما أنا عليه, وقد أحسست بعظم ذنبي, وندمت بشدة, وشعرت بضرورة البكاء, لكني أحسست بعجز عن البكاء, والندم الشديد, وذهبت إلى مكاني المعهود في الحديقة, وواصلت الضحك, والتفكير في عالمي الخيالي, وصدري ضيق من الندم, والخوف, وبعدها بكيت كثيرًا: كيف واصلت التفكير في عالمي وضحكت مع عظم الذنب؟ وماذا لو كانت الحالة الأولى حقيقة؟ وأني قهقهت على من ظننت أنها شبهت الله - والعياذ به -؟ وأقل ما يمكن فعله هو البكاء, والحرقة طوال حياتي, ولقد صدمت حقيقة كيف فكرت في عالمي, وبكيت, وندمت, ومشكلتي هي العجز الشديد حتى في الأمور الأخرى – كالدراسة - والعجز عن الاستغفار, وأحس بتعب بمجرد أن أبدأ، أعرف أنه تلزمني التوبة النصوح, لكني أكره عجزي, وكنت دائمًا أقول: سيأتي يوم أتوقف فيه عن عالمي, وأتوب, وها قد أتى اليوم الذي يلزم عليّ فعل ذلك, لكني أعجز, وأحس بعظم ذنبي, ومع ذلك أعجز عن فعل شيء, حتى البكاء, ثم أتدارك نفسي وأبكي بحرقة, وهكذا, والندم في قلبي, ويأتيني أني أود أن أفكر في عالمي, ثم أقول: ذلك الذي شغلك عن التوبة, والتي أخشى أن يكون فعلي ذلك كفرًا, فلا بد أن تقطعيه, وحتى الآن بعد أن شعرت بذنبي تحصل أحداث أخاف أن تحول بيني وبين التوبة, فلدي أخ يسب الدين لأتفه الأسباب, ويتكلم معي بسذاجة, وأنا أكره ذلك, وأتكلم معه بخشونة, وأنا أعلم أن ذلك قد يؤدي به إلى سب الدين, ومرات أرى أختي تقرأ القرآن, وهي تضعه على وسادة تلقى على الأرض دائمًا, إضافة إلى أنها مرات تضع قدمها عليها, وهي تنام عليها كذلك, فهي مهملة جدًّا, ولا أغير مكانه, مع كرهي لذلك, وأخاف أن أدخل في جدال معها, وأندم بشدة, فشخصيتي ضعيفة جدًّا، فماذا لو كان هذا سببًا لأكون كافرة؟ ففي الماضي لم أعرف أن الاستهزاء بالدين - ولو مزاحًا – كفر, فماذا لو لم يمنّ عليّ الله بالتوبة؟ وماذا لو مت حينها؟ وأنا أخاف كثيرًا, وماذا لو فعلت أشياء لا أعرف أنها كفر - كحال الاستهزاء - وأكفر؟ وأنا أخاف كثيرًا, ومن عادتي سابقًا قراءة المواضيع الدينية, ولم أكن أقرأ مواضيع العقيدة إلا نادرًا، حتى أني مرة قرأت عن الشرك الأكبر والأصغر، وقرأت كيف نؤمن بصفات الله, وأشياء كثيرة لم أكن أعرفها، وأنا أخاف أنّ هناك أشياء لا أعرفها تكون سببًا في كفري, فقد بلغتني الحجة, والمواضيع أمامي لأقرأها، لكن ذلك معقد عليّ، فهي أمور تتطلب أستاذًا في الأصول والفروع، وهل يجب عليّ قراءتها حتى وإن تعسر عليّ فهمها؟ وأقول كذلك: ماذا لو استهنت بإزالة نجاسة ظننتها عادية, وكل صلواتي باطلة, وأموت كافرة دون أن أشعر؟ ويأتيني تفكير يشبه السابق, يقول لي: إن بإمكاني العودة للتفكير في عالمي, واستغلاله في أمر نافع, لكني خائفة جدًّا, وأخاف أن يكون ذلك كفر، فأقول في نفسي: قد يكون سببًا في كفرك مستقبلًا, وعالمي الخيالي هذا قضيت فيه أكثر من 13 عامًا من حياتي, أكاد أطير فيها من الفرح به, وكلما تذكرته انقبض قلبي, وهم شخصيات في عالم خيالي, وكنت أفكر فيهم طول الوقت تقريبًا, أضيف أني أحب كثيرًا تعاليم الدين الإسلامي, وأقرأ الفتاوى, وكل ما أعرفه عن ديننا الحنيف أضيفه لعالمي, وهذا هو السبب الأول لحبي له, لكني خائفة أن يكون سببًا في كفري، وأخاف أن تشغلني الحياة الدنيا عن الآخرة, وأفكر لعلّ إحساسي بالعجز عن البكاء والاستغفار مع علمي بعظم ذنبي سيحول بيني وبين التوبة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فننصحك بالبعد عن الاسترسال مع الشيطان في هذه الوساوس, واشغلي نفسك عنها بالتعلم والعمل الصالح.

واعلمي أن الكفر ليس بالهين, ومن دخل في الإسلام بيقين فلا يخرج منه إلا بيقين, ولا مدخل للاحتمالات فيه, فمن صدر منه شيء يحتمل الردة وغيرها لا يكفر بذلك, كما قال علي القاري في شرح الشفا: قال علماؤنا: إذا وجد تسعة وتسعون وجهًا تشير إلى تكفير مسلم, ووجه واحد على إبقائه على إسلامه, فينبغي للمفتي والقاضي أن يعملا بذلك الوجه، وهو مستفاد من قوله عليه السلام: ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم, فإن وجدتم للمسلم مخرجًا فخلوا سبيله, فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير له من أن يخطئ في العقوبة. رواه الترمذي والحاكم. اهـ.

ثم إن العبد تشرع له التوبة والاستغفار من الشرك المحتمل حصوله, ويكفيه أن يستغفر الله مما عمل وما لم يعمل، فعن أبي موسى الأشعري قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم, فقال: يا أيها الناس؛ اتقوا هذا الشرك, فإنه أخفى من دبيب النمل، فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل - يا رسول الله -؟ قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئًا نعلمه, ونستغفرك لما لا نعلمه. رواه أحمد, وحسنه الألباني.

وروى البخاري في الأدب المفرد عن معقل بن يسار قال: انطلقت مع أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده, للشرك أخفى من دبيب النمل، ألا أدلك على شيء إذا قلته ذهب عنك قليله وكثيره؟ قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم. وصححه الألباني.
ولكن هذه التوبة ليس من شروطها أن يبكي الإنسان, بل يكفي الندم, والعزم على عدم العود.

وأما علاج حالك وحال أهلك فمن وسائله: إقامة جلسات عائلية تتدارسون فيها ما تيسر من نصوص الوحيين في الترغيب والترهيب, والرقائق, والحض على الذكر, والتعلم, والأعمال الصالحة.

وأما ما ترين من أخطاء الأهل فإنك لا تؤاخذين بشيء منه, ولا تكفرين به ما دمت غير راضية.

ولا ننصحك بالخوض معهم ما دمت موسوسة؛ إذ قد تخطئينهم بما تظنينه حرامًا أو كفرًا, وليس كذلك.

ولذا ينبغي عدم الخوض في تلك الملاحظات, والعمل الدؤوب على التفقه في الدين, وكثرة التلاوة, والنظر في كتب الرقائق, وسير السلف, والعمل بكل ما وجدت فيه ترغيبًا في القرآن والحديث؛ وبذلك تجدين الهداية والثبات, كما قال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا {النساء:66-68}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني