الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يرث من الدية مَن تسبب بحادث مروري؟ وكيف توزع التركة؟ وهل يكون وصيًّا عن أبنائه؟

السؤال

حصل حادث سيارة لأسرة مكونة من زوج, وزوجة, وثلاثة أبناء، ونسبة خطأ الزوج في الحادث 100%، فتوفيت الزوجة وأحد الأبناء, وهناك دية تتحملها شركة التأمين، فهل للزوج نصيب في الدية؟ أم يحجب باعتباره القاتل؟ وكيف يتم توزيع الدية في حالة حجبه؟ وهل يتم توزيعها على اعتباره غير موجود؟ أم يتصدق بنصيبه؟ وهل يجوز له أن يستلم الدية باعتباره الوصي الشرعي على الأبناء القصَّر؟
وهل يجب ألا يتجاوز الأرش الدية المقررة للشخص؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فالذي فهمناه من السؤال هو أن الزوجة وأحد الأبناء توفيا في الحادث الناتج عن خطأ الزوج، فإذا كان الأمر كذلك فنفيد أولًا أن عاقلة الزوج عليها ديتان: دية عن الزوجة, ودية عن الابن.

وإذا تحملت جهة ما إحدى الديتين، فإن الأخرى تبقى على من كانت عليه.

وإذا علم أن الزوجة ماتت قبل الابن، فإن الابن يرث من تركة أمه, ثم يقسم نصيبه بين ورثته.

وإذا علم أن الزوجة ماتت بعد الابن، فإنها ترث هي من دية ابنها, ثم يقسم نصيبها بين ورثتها.

وإذا لم يعلم السابق من اللاحق فإنه لا توارث بين الزوجة وابنها, ودية كل واحد منهما تقسم على ورثته, وانظر الفتوى رقم: 18381، عن حالات موت متوارثين بحادث وحكم كل حالة.

ولا يرث الزوج من كلا الديتين؛ لكونه قاتلًا, فلا يرث من دية زوجته, ولا من دية ابنه؛ لأن القاتل الخطأ لا يرث من الدية، كما بيناه في الفتوى رقم: 184733.

ووجود الزوج وعدمه سواء هنا؛ لأن المحجوب بوصف لا يحجب غيره, قال ابن قدامة في المغني: وَمَنْ لَمْ يَرِثْ لَمْ يحْجبْ يَعْنِي مَنْ لَمْ يَرِثْ لِمَعْنًى فِيهِ، كَالْمُخَالِفِ فِي الدِّينِ، وَالرَّقِيقِ، وَالْقَاتِلِ، فَهَذَا لَا يَحْجُبُ غَيْرَهُ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ. اهـ.

فإذا لم تترك المرأة من الورثة إلا ابنين فقط، فإن تركتها لهما ـ تعصيبًا ـ بينهما بالسوية، ولا يأخذ الزوج شيئًا، وإذا كان ولداها صغيرين، فإن الزوج ـ والدهما ـ هو من يتولى التصرف في ماليهما؛ لكونه وليهما, قال صاحب الروض: ووليهم أي: ولي السفيه الذي بلغ سفيهًا واستمر، والصغير، والمجنون، حال الحجر: الأَب الرشيد، العدل ولو ظاهرًا... اهـ.

وانظر الفتوى رقم: 207331، في حدود التصرف في مال الأولاد القصَّر.

وأما هل يجوز أخذ أكثر من الدية المقررة شرعًا: فإنه لا يصح أن يؤخذ في دية الخطأ أكثر من الدية المقررة شرعًا إذا كانت الزيادة من جنس الدية المقررة شرعًا، ويجوز أخذ الزيادة إذا كانت الدية ستدفع من قيمة الدية المقررة شرعًا، قال ابن قدامة في المغني: فَأَمَّا إنْ صَالَحَ عَنْ قَتْلِ الْخَطَأِ بِأَكْثَرَ مِنْ دِيَتِهِ مِنْ جِنْسِهَا، لَمْ يَجُزْ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَتْلَفَ عَبْدًا أَوْ شَيْئًا غَيْرَهُ، فَصَالَحَ عَنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ مِنْ جِنْسِهَا، لَمْ يَجُزْ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ عِوَضًا عَنْ الْمُتْلَفِ، فَجَازَ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرِ مِنْ قِيمَتِهِ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِذَلِكَ، وَلَنَا، أَنَّ الدِّيَةَ وَالْقِيمَةَ ثَبَتَتْ فِي الذِّمَّةِ مُقَدَّرَةً، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهَا بِأَكْثَرَ مِنْهَا مِنْ جِنْسِهَا، كَالثَّابِتَةِ عَنْ قَرْضٍ أَوْ ثَمَنِ مَبِيعٍ، وَلِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ أَكْثَرَ مِنْهَا فَقَدْ أَخَذَ حَقَّهُ وَزِيَادَةً لَا مُقَابِلَ لَهَا، فَيَكُونُ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ, فَأَمَّا إنْ صَالَحَهُ عَلَى غَيْرِ جِنْسِهَا، بِأَكْثَرَ قِيمَةً مِنْهَا، جَازَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الشَّيْءَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ. اهـ.

وننبه أخيرًا إلى أن الزوج تلزمه كفارتا قتل: واحدة عن الزوجة، والثانية عن الابن, وانظر الفتوى رقم: 55684.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني