الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحكم بالشرع لازم لجميع المكلفين

السؤال

أحاور كثيرًا من الناس عن تطبيق الشريعة, والثبات على تطبيقها مهما حدث, وأضرب لهم أمثلة من مواقف ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم عند حصار الشعب, فيبررون ترك تطبيق الشريعة بقولهم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس مثلنا, فما حكم قول هذه العبارة مع ما فيها من تثبيط همم المسلمين؟ وشكرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن هذه العبارة خاطئة؛ لأن الحكم بالشرع لا يختلف الحال فيه بالنسبة لجميع المكلفين, ولم تثبت خصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم في شأنه، فعلى كل فرد من المسلمين أن يطبق الشرع في نفسه وفي أهله عملًا بقوله تعالى: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا {التحريم:6}.

وأن ينشط في دعوة جيرانه وعشيرته لتعلم الشرع والالتزام به, وفي إقناع الساسة بما أوجب الله عليهم من العمل بحكم الله تعالى, وأن يكون التحاكم إلى شرعه في جميع الأمور, وأن لا يتحاكم لغيره، وأن يبين للكل فضل التمسك بالدين, وأنه هو سبب عز الأمة, وصلاح حالها ونصرها، وأمنها والدفع عنها والتمكين لها، ومحبة الله لها, وفتح أبواب البركات والحياة الطيبة، إلى غير ذلك من الوعود الصادقة المهمة، كما قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {المؤمنون:1}.

وقال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ {المنافقون:8}.

وقال: وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ {الروم:47}.

وقال: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ {الأنعام:82}.

وقال: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {النور:55}.

وقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً {مريم:96}.

وقال: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ {الأعراف:96}.

وقال: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {النحل:97}.
وفي الحديث: إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم.

وفي رواية: ليلزمنكم الله مذلة في رقابكم لا تنفك عنكم حتى تتوبوا إلى الله وترجعوا على ما كنتم عليه. رواه أبو داود وأحمد، وصححه الألباني.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم. رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني.

وقال صلى الله عليه وسلم: إقامة حد في الأرض خير لأهلها من أن يمطروا أربعين ليلة. رواه النسائي، وصححه الألباني.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني