الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قضية حجاب المرأة.. المعوقات.. والحلول المشروعة

السؤال

أنا من تونس، واسمي رحمة، ويسعدني أن أتواصل معكم: لقد تحجبت منذ شهر تقريبا بعد أن هداني الله ـ والحمد لله ـ وعرفت أن للحجاب شروطا وقواعد .. فمثلا يجب أن يكون فضفاضا وطويلا، والمشكلة هنا أنه في معاهدنا ومدارسنا لا يقبلون هذا اللباس نظرا لأننا كنا في عهد المخلوع ممنوعات من الحجاب، وقد تأثر المجتمع التونسي بهذا كثيرا، وفي الفترة الماضية دخلت فتاة جامعتها وهي منتقبة فأحدث ذلك بلبلة في البلاد وضجة كبيرة وظهرت في وسائل الإعلام، وأنا إذا ذهبت بجلباب إلى المهعد فأخشى أن تحدث المشكلات، كما أن الجلباب عندنا لا تلبسه إلا العجائز والنساء الكبيرات في السن، أما أنا فعمري 17سنة وصعب أن تجد في مقاسي الحجاب الشرعي، لأنني كما أخبرتكم هو للكبار، واللباس الذي تلبسه كل محجبة في عمري غير شرعي بالمرة، كما أن كل مدارسنا مختلطة، واللباس الشرعي قد يحدث مشاكل، ولا أخفي عليكم أن بلادنا هذه الأيام تعيش ظروفا حساسة، فما العمل؟ وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإننا أولا نحمد الله تعالى على هدايتك للحجاب والاستقامة، ونسأله سبحانه أن يثبتك إلى أن تلقيه، وقد قال تعالى: وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ {البقرة: 223}.

وأما ماذا تفعلين؟ فالواجب عليك فعله هو الاستمرار على لبس الحجاب الشرعي وعدم خلعه بحجة أن المجتمع يرفضه ويأباه، ولو أن المسلم ترك ما أوجبه الله عليه مسايرة للمجتمع لضل عن سواء السبيل، بل الواجب الصبر على طاعة الله تعالى وعدم مسايرة الجاهلين, وقد سبق أن أصدرنا عدة فتاوى في حكم ترك الحجاب لأجل الدراسة وهي الفتاوى التالية أرقامها: 139510، 116117، 49230.

ومن المهم أن تعلمي ـ أيتها الأخت السائلة ـ أن طريق الاستقامة لا بد فيه من الاختبار والامتحان حتى يتبين الصادق من الكاذب, كما قال الله تعالى: ألم *أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ {العنكبوت:1ـ3}.

قال الشيخ السعدي ـ رحمه الله تعالى ـ في تفسير هذه الآية الكريمة: يخبر تعالى عن تمام حكمته، وأن حكمته لا تقتضي أن كل من قال إنه مؤمن وادعى لنفسه الإيمان أن يبقوا في حالة يسلمون فيها من الفتن والمحن، ولا يعرض لهم ما يشوش عليهم إيمانهم وفروعه، فإنهم لو كان الأمر كذلك، لم يتميز الصادق من الكاذب، والمحق من المبطل، ولكن سنته وعادته في الأولين وفي هذه الأمة، أن يبتليهم بالسراء والضراء، والعسر واليسر، والمنشط والمكره، والغنى والفقر، وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان، ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل ونحو ذلك من الفتن، التي ترجع كلها إلى فتنة الشبهات المعارضة للعقيدة، والشهوات المعارضة للإرادة، فمن كان عند ورود الشبهات يثبت إيمانه ولا يتزلزل، ويدفعها بما معه من الحق، وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي والذنوب، أو الصارفة عن ما أمر اللّه به ورسوله، يعمل بمقتضى الإيمان، ويجاهد شهوته، دل ذلك على صدق إيمانه وصحته، ومن كان عند ورود الشبهات تؤثر في قلبه شكا وريبا، وعند اعتراض الشهوات تصرفه إلى المعاصي، أو تصدفه عن الواجبات، دلَّ ذلك على عدم صحة إيمانه وصدقه، والناس في هذا المقام درجات لا يحصيها إلا اللّه، فمستقل ومستكثر، فنسأل اللّه تعالى أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يثبت قلوبنا على دينه، فالابتلاء والامتحان للنفوس بمنزلة الكير يخرج خبثها وطيبها. اهـ.

فإذا علمت هذا فوطني نفسك على مواجهة الفتن والمحن والصبر على طاعة الله والقيام بأمره، وانظري للفائدة الفتوى رقم: 12202، عن حكم التسمي باسم رحمة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني