الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الفرق بين القاتل والكافر في ذنب كل منهما والعقاب الأخروي

السؤال

ما الفرق بين قاتل النفس وبين الكافر؟ وما معنى الخلود في النار؟ وهل القاتل يخلد خلود أبديًا؟ وهل يدخل الجنة المسلم الذي قام بمجازر بشرية؟

الإجابــة

الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقتل النفس المؤمنة بغير حق - وإن كان من أكبر الكبائر, والسبع الموبقات - إلا إنه لا يخرج صاحبه من الملة، فيبقى بينه وبين الكفر فرق عظيم، فكل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الكفر، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء: 48].

ومما يترتب على هذا أن الكافر خالد مخلد في نار جهنم، وأما قاتل النفس بغير حق: فإنه لا يخلد فيها أبدًا كالكافر، ما دام عنده أصل الإيمان والتوحيد، وذلك أنه اجتمع في حقه ما يوجب العقاب مع ما يوجب الرحمة، فتوحيده وإيمانه يوجب رحمته، وقتله نفسًا بغير حق كبيرة موبقة توجب العقاب، فهو معرض للعقوبة على قدر ذنبه وجرمه, ولكنه لا يخلد في النار مع الكافرين.

والخلود الوارد في حقه محمول على طول المدة, كما سبق لنا بيانه في الفتوى رقم: 137828, وما أحيل عليه فيها, ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 203833.
وأما النصوص التي تجمع بين القاتل والكافر، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يقتل المؤمن متعمدًا، أو الرجل يموت كافرًا. رواه النسائي, وأبو داود, وأحمد، وصححه الألباني. فيجب فهمها في ضوء النصوص الأخرى جمعًا بين الأدلة، قال السندي في حاشيته على سنن النسائي: كَأَنَّ الْمُرَاد: كُلّ ذَنْب تُرْجَى مَغْفِرَته اِبْتِدَاء, إِلَّا قَتْل الْمُؤْمِن فَإِنَّهُ لَا يُغْفَرُ بِلَا سَبْقِ عُقُوبَة، وَإِلَّا الْكُفْر فَإِنَّهُ لَا يُغْفَرُ أَصْلًا، وَلَوْ حُمِلَ عَلَى الْقَتْلِ مُسْتَحِلًّا لَا يَبْقَى الْمُقَابَلَة بَيْنه وَبَيْن الْكُفْر، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَتُبْ, وَإِلَّا فَالتَّائِبُ مِنْ الذَّنْب كَمَنْ لَا ذَنْب لَهُ، كَيْف وَقَدْ يَدْخُلُ الْقَاتِل وَالْمَقْتُول الْجَنَّة مَعًا, كَمَا إِذَا قَتَلَهُ وَهُوَ كَافِر ثُمَّ آمَنَ وَقُتِلَ، وَلَعَلَّ هَذَا بَعْدَ ذِكْرِهِ عَلَى وَجْه التَّغْلِيظ, وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم. اهـ.
ومن قتل طائفة كبيرة من أهل الإيمان, وإن كان جرمه أعظم، وذنبه أغلظ، إلا أنه لا يكفر بذلك أيضًا، وحسابه على الله تعالى، ما لم يستحل القتل، ولنا في قصة قاتل المائة نفس معتبر، فإن مصيره آل إلى الجنة - برحمة الله تعالى -.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني