الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم ما باعه المورث قبل وفاته لبعض الورثة ثم وصيته أن يقسم على جميع الورثة بعد موته

السؤال

قبل وفاة أمي بأربع سنوات قامت ببيع عقار تملكه لي أنا وإخوتي الذكور، وذلك لوجود خلافات بينها وبين أخواتي، وقدر مر على وفاتها ثلاث سنوات الآن، وشرعنا في بيع العقار، فقالت لي زوجتي بأن أمي قبل وفاتها بسنة قالت لها إنها تريد أن تقول زوجتي لي ولإخوتي أن نقسم قيمة العقار عند البيع تقسيما شرعيا، فقالت لها زوجتي أخبريهم أنت، فهو أفضل، فوافقت ولكنها لم تخبرنا بشيء سواء الذكور أو الإناث، فما هو حكم الشرع؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فلا يخلو عقد البيع بينكم وبين أمكم من حالات:

1ـ أن تكون أمكم قد باعت العقار لكم بيعا حقيقيا وليس صوريا ولا بيع محاباة، فإن هذا البيع ماض وينتقل به العقار إلى ملككم، ولا يدخل في جملة تركتها التي تقسم بين الورثة, وإنما يقسمون ما بقي من ثمن العقار, والبيع صحيح ولو وقع منها في مرض الموت, قال النووي في روضة الطالبين: لو باع المريض ماله لوارثه بثمن المثل نفذ قطعاً. اهـ.

وقال المرداوي في الإنصاف: إنْ كَانَتْ الْمُعَاوَضَةُ فِي الْمَرَضِ مَعَ غَيْرِ الْوَارِثِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ: صَحَّتْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بِلَا نِزَاعٍ وَإِنْ كَانَتْ مَعَ وَارِثٍ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَكَذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اهـ.

وفي المدونة: وَقَالَ لِي مَالِكٌ: مَا بَاعَ الْمَرِيضُ أَوْ اشْتَرَى فَهُوَ جَائِزٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَابَى، فَإِنْ حَابَى كَانَ ذَلِكَ فِي ثُلُثِهِ. اهـ.

2ـ أن يكون البيع بيعا صوريا، فإن هذه تعتبر هبة منها إليكم، فإن وقع هذا في غير مرضها المخوف وحزتم العقار في حياتها وصرتم تتصرفون فيه تصرف المالك، فقد تمت الهبة, وكان الواجب عليها أن تعدل في هبتها فتعطي البنات ما يتحقق به العدل كما أعطت الأبناء, وإذا ماتت أمكم قبل أن ترجع في هبته أو تعدل فيها، فإن الهبة ماضية في قول جمهور أهل العلم, وقال بعضهم: تبطل, ويجب على الأبناء المفضلين أن يردوا الهبة, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: يجب عليه أن يرد ذلك في حياته, كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وإن مات ولم يرده رد بعد موته على أصح القولين أيضًا طاعة لله ولرسوله، ولا يحل للذي فضل أن يأخذ الفضل، بل عليه أن يقاسم إخوته في جميع المال بالعدل الذي أمر الله به. اهـ.

وانظر الفتويين رقم: 113934, ورقم: 107734.

3ـ أن يكون البيع الصوري ـ الذي قلنا إنه هبة في الحقيقة ـ وقع في مرضها المخوف، فإن هذه تعتبر وصية, لأن العطايا في المرض المخوف لها حكم الوصية, وأنتم من جملة ورثتها, والوصية للوارث ممنوعة شرعًا, ولا تمضي إلا برضا بقية الورثة, بمن فيهم البنات، فإذا لم يرضوا وجب على الأبناء رد العقار إلى التركة, وقسمته بين كل الورثة القسمة الشرعية.

4ـ أن يكون البيع بيع محاباة, ومعناه أن تكون قد باعت لكم العقار بأقل من ثمن المثل وحابتكم في ثمنه لكونكم أبناءها، فإن وقع هذا في حال صحتها فالبيع صحيح, وإن وقع في مرضها المخوف، فإن هذا بمنزلة الوصية لكم، كما فصلناه في الفتوى رقم: 206782، ففيها حكم بيع المحاباة للوارث من الصحيح ومن المريض.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني