الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير

السؤال

عن عائشةَ : أنَّها كانت لا ترَى بلحومِ السِّباعِ بأسًا ، والحُمرةِ والدَّمِ يكونان على القِدرِ بأسًا ، وقرأت هذه الآيةَ: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره صحيح غريب.
وفي حديث المقدام الكندي مرفوعا:(ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حرام فحرموه، وما وجدتم من حلال فأحلوه، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع ) صححه الألباني رحمه الله.
الآن الآية تحلل كل شيء إلا أن يكون دما مسفوحا أو لحم خنزير أو ميتة، والرسول عليه الصلاة والسلام يحرم الحمار الأهلي، وكل ذي ناب من السباع. فهل هذه الآية عامة وكلامه عليه الصلاة والسلام مخصص لها؟ أم هي مطلقة وكلامه مقيد؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد ذهب الجمهور الى حرمة أكل كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، وهو الصحيح إلا ما استثني كالضبع؛ لأن حديث مسلم الدال على تحريمها رواه أبو هريرة وقد كان إسلامه متأخراً، والآية مكية كما هو معروف، فهو إذن متأخر عنها، ويعتبر مخصصا لها لأن كلمة " محرما " الواردة في قول الله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ {الأنعام: 145}. نكرة في سياق النفي وهي من صيغ العموم، فجاء الحديث مخصصا لهذا العموم ببيان محرمات أخرى .

وقد ذكر ابن كثير والقرطبي والشوكاني وابن حجر أن آية الأنعام ليس عليها الاعتماد في التحريم والتحليل لأنها مكية، وقد نزلت ردا على ما حرمه العرب من تلقاء أنفسهم ، وقد نزل بعد هذه الآية بالمدينة التصريح بتحريم أشياء أخرى، وصرحت الأحاديث بتحريم بعض الأشياء منها: تحريم كل ذي ناب من السباع، وذي مخلب من الطير، وتحريم الخبائث، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن قتل بعض الأشياء، وأمر بقتل بعضها، فاستنبط أهل العلم تحريم تلك الأشياء.
قال القرطبي في تفسيره للآية المذكورة: وقد اختلفت الرواية عن مالك في لحوم السباع والحمير والبغال. فقال مرة: هي محرمة، لما ورد من نهيه عليه السلام عن ذلك، وهو الصحيح من قوله على ما في الموطأ . وقال مرة: هي مكروهة، وهو ظاهر المدونة لظاهر الآية ، ولما روي عن ابن عباس وابن عمر وعائشة من إباحة أكلها، وهو قول الأوزاعي.

وقال النووي في شرح مسلم: والجمهور على أنه يحرم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، وقال مالك: يكره ولا يحرم.. واحتج بقوله تعالى: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ.. الآية. والآية ليس فيها إلا الإخبار بأنه لم يجد في ذلك الوقت محرما إلا المذكورات في الآية، ثم أوحي إليه بتحريم كل ذي ناب من السباع، فوجب قبوله والعمل به. اهـ

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني