الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحسد والعين.. آثارهما.. والحكمة من وجودهما

السؤال

سؤالي حول العين والحسد والحكمة في جعل الإنسان السيء خلقا يُصيب غيره فيهما، فكل شيء يتم بإذن الله تعالى ، والله عز وجل يقول :" وما دعاء الكافرين إلا في ضلال" وإذا كان مفهوم الدعاء قريبا من مفهوم التمني، والحسد والعين هما التمني بالسوء.
فهل يُعقل أن يقبل الله تعالى دعاء الظالمين (أو الكافرين) لغيرهم، ويجعل لهم القدرة على إصابة الغير بالأذى عن طريق العين أو الحسد ؟ معاذ الله ! بالطبع لا؟
إذن ما هي الحكمة الحقيقية من وجود "الحسد والعين" وتسببهما بالأذى للغير؟ خاصة أن من يُصاب بهما قد لا يكون له ذنب، بل إن المشكلة هي من سيء الخلق الذي يحسد، وليس الذي يُحسد.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمما ينبغي أن يعلم أولا أن كل ما يجري في هذا الكون إنما هو بتقدير من الله تعالى، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49}. وقال تعالى : قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ {التوبة:51} .

واعلم أن هناك فرقا بين الدعاء والعين، فالدعاء لا يستجاب لمن دعا بإثم أو ظلم أو قطع رحم، كما في صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل. قيل: يا رسول الله وما الاستعجال؟ قال: يقول:" قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجب لي، فيستحسر ويدع الدعاء "

وأما العين فلا يلزم فيها التمني، فإن تمني زوال النعمة عن الغير يقع من الحاسد ، وأما العائن فقد تقع منه الإصابة بالعين دون تمن بل لمجرد الاستحسان والإعجاب، فهذا النوع من الناس قد يعين بطبعه من غير قصد، ولذلك فقد يعين نفسه ، كما قال ابن القيم في زاد المعاد: وقد يعين الرجل نفسه، وقد يعين بغير إرادته، بل بطبعه، وهذا أردأ ما يكون من النوع الإنساني. انتهى.

ومن حكمة الله تعالى أنه جعل للعين تأثيرا بإذن منه سبحانه، وقد دل على ذلك القرآن، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن أدلة القرآن: قوله تعالى عن يعقوب عليه السلام: وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ {يوسف:67} . قال العلماء: إن ذلك كان خوفاً عليهم من العين، وقد وصف الله يعقوب بعد ذكره لهذه المسألة قائلاً: وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ {يوسف:68} . وقال سبحانه: وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ {القلم:51} .

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن العين حق، فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا. رواه مسلم.

كما ورد في السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني: العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر. وقال: إنه حديث حسن.

والعين هي السببُ الغالبُ لكثيرٍ من أمراض النَّاس بعد قضاء الله -تعالى- لكثرة انتشار الحسد والعياذ بالله. وقد قال عليه الصلاة والسلام: أكثر ما يموت من أُمَّتي بعد قضاء الله وقدره العين. حسَّن إسناده الإمامان ابن حجر والألباني -رحمهما الله تعالى-.

وقال ابن القيم رحمه الله : "ولا ريب أن الله سبحانه خلق في الأجسام والأرواح قوى وطبائع مختلفة، وجعل في كثير منها خواص وكيفيات تؤثر، ولا يمكن للعاقل إنكار تأثير الأرواح في الأجسام، فإنه أمر مشاهد محسوس"

وأما عن الحكمة من وجود العين فهي من الابتلاءات التي جعلها الله في هذه الدنيا، وقد قال الله سبحانه: وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا {الفرقان:20}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني