الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم رمي الأوراق المشتملة على اسم الله لا بقصد الامتهان

السؤال

لقد وزعت مطوية في مدينتنا التي ‏تتبع المذهب المالكي عن حكم إلقاء ‏الأوراق التي تحتوي على اسم الله، ‏وفيها رأي شيخ اسمه الدسوقي ‏سأنقله لكم كما جاء في المطوية:‏
جاء في حاشية الدسوقي على ‏الشرح الكبير للدردير: (قوله: ‏‏(كإلقاء مصحف بقذر) أي: فيما ‏يستقذر، وظاهره ولو كان الإلقاء ‏لخوف على نفسه، وهو كذلك، إذا ‏كان بدون القتل، لا به، فإذا سرق ‏مصحفًا، وخشي على نفسه من بقائه ‏عنده، فألقاه في القذر، فيكفر بذلك ‏إذا كان خوفه بدون القتل، لا به، مثل هذا من رأى ورقة مكتوبة، ‏مطروحة في الطريق، ولم يعلم ما ‏كتب فيها، فإنه يحرم عليه تركها ‏مطروحة في الطريق لتوطأ بالأقدام، ‏وأما إن علم أن فيها آية، أو حديثًا ‏وتركها، كان ذلك ردة، كما قال ‏المسناوي. ا هـ. ابن (البناني) قوله: (ومثل القرآن) أي: مثل إلقاء ‏القرآن في كونه ردة، إلقاء أسماء ‏الله إلخ. وأسماء الأنبياء إذا كان ذلك ‏بقصد التحقير، والاستخفاف بها، بأن ‏يلقيها من حيث كونها اسم نبي، لا ‏مطلقًا.)‏ أود أن أسأل عن هذا الأمر؛ لأن ما ‏ذكره هذا الشيخ أن المعذور هو الذي ‏يخاف على حياته، وقال: إن مثل ‏المصحف اسم الله، فأود أن أسأل: في عصرنا هذا تكثر ‏الأوراق، ويكثر من يلقي الأوراق ‏التي فيها أسماء أشخاص مركبة من ‏اسم الله "كعبد الله، وعبد الرحمن" ‏وهذا منتشر جدًّا في العمل، لا بقصد ‏التحقير، بل مجرد الكسل، ولكن لا ‏يوجد خوف على الحياة، وسؤالي الأول: هل هذا القول الذي في ‏المطوية مقيد بالقصد؟ علمًا أن ‏الشيخ أوضح أنه لا يعذر إلا من ‏خاف على حياته، وكلامه صريح في ‏كونه لا اعتبار للنية، إلا نية الخوف، ‏فما حكم من يلقي أوراقًا في العمل ‏فيها اسم الله، بسبب الكسل، ولا يريد ‏التحقير؟
ثانيًا: ما قول مشايخ المذاهب ‏الأخرى في المسألة؛ لأن هذا القول ‏غير واقعي في عصرنا، وفي العالم ‏ الصناعي الجديد الذي به ملايين ‏الأوراق، والإيميلات المطبوع فيها ‏اسم الله؟
ثالثًا: لدينا قطة في المنزل، وأحيانًا ‏تدب على الطاولة، وعليها المصحف، ‏وقلت لأخي أن يحذر من ذلك، فقال: ‏القطة طاهرة، ولم ينهها، ولكن لم ‏يقصد تحقير المصحف،‏ فما حكم ذلك -جزاكم الله خيرا-؟‏ وأود منكم توضيح هذه المسألة ‏التي سببت لي شيئًا من اللبس؛ لأن ‏الفتاوى على الموقع تبدو متضاربة، فقد قلتم للسائل في الفتوى رقم: ‏‏113332 أن لا شيء عليه في إلقاء ‏المصحف بغير قصد التحقير، وأما ‏في الفتوى رقم: 64588 فقلتم: إنه كفر ‏بمجرد إلقائه كتاب الأحاديث من غير ‏قصد، وكذلك أريد منكم إجابة بأقوال العلماء ‏المعتبرين من القدماء في هذه ‏المسألة، وهي إن اختصرتها تدور ‏حول إلقاء شيء مقدس، أو تلطيخه ‏من غير قصد الامتهان؛ لأني لم أجد ‏في بحثي أن القدماء كلهم يقولون ‏بأن هذه الأفعال صريحة، ومكفرة ما ‏لم تكن لخوف الموت -بارك الله فيكم-.‏

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد ذكرنا حلاً لمشكلة الأوراق المحتوية على ذكر الله في الفتوى رقم: 122041.

ولا شك أن غير المصحف مما فيه ذكر الله، يجب احترامه، وترك امتهانه، كما بينا في الفتوى رقم: 73022، وتوابعها.

فلا يجوز رمي الأوراق التي تحتوي على اسم الجلالة، أو آية من كتاب الله، أو حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ما له تعلق بالدين في سلة المهملات، أو مكان الأوساخ؛ لما في ذلك من امتهانها، والواجب على المسلم أن يحفظ ما في يده مما يتضمن اسم الله عز وجل، أو ما له تعلق بالدين، حتى يدفنه في مكان محترم، أو يحرقه.

ومع هذا، فما ذكرته من التهاون مع الورق الذي فيه اسم الله، لا يستوي مع تعمد ترك المصحف؛ بل في كلام الدسوقي الذي نقلته التفريق بين الورق الذي فيه اسم الله؛ فيحرم تركه، وبين ما فيه آية او حديث؛ فيكفر بتركه ممتهنًا.

وأما المذاهب الأخرى في المسألة، فإن مدار الأمر عندهم على الاستخفاف؛ فما دل على الاستخفاف فهو كفر، وما احتمل، لم يحكم بكفره.

فقد جاء في حاشية قليوبي وعميرة في الفقه الشافعي: قوله: (كإلقاء مصحف بقاذورة) بالفعل، أو بالعزم، والتردد فيه، ومسه بها كإلقائه فيها، وألحق بعضهم به وضع رجله عليه، ونوزع فيه، والمراد بالمصحف ما فيه قرآن، ومثل المصحف الحديث، وكل علم شرعي، أو ما عليه اسم معظم، ولا بد في غير القرآن من قرينة تدل على الإهانة، وإلا فلا. انتهى.

وقال النووي: أجمعوا على أن من استخف بالقرآن، أو بشيء منه، أو بالمصحف، أو ألقاه في قاذورة، أو كذب بشيء مما جاء به من حكم، أو خبر , أو نفى ما أثبته، أو أثبت ما نفاه، أو شك في شيء من ذلك، وهو عالم به، كفر. اهـ.

وقال ابن عابدين في رد المحتار: لو سجد لصنم، أو وضع مصحفًا في قاذورة فإنه يكفر, وإن كان مصدقًا؛ لأن ذلك في حكم التكذيب, كما أفاده في شرح العقائد, وأشار إلى ذلك بقوله للاستخفاف, فإن فعل ذلك استخفاف، واستهانة بالدين فهو أمارة عدم التصديق. اهـ.

وراجع للفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 219502، 112698، 230455.

ولا شك أن من تعظيم المصحف رفعه عن القطة، ومنعها من الوطء عليه، ولو كانت طاهرة؛ بل نص الفقهاء على أنه لا يوضع فوقه كتاب علم شرعي؛ فكيف بالقطة؛ وانظر الفتوى رقم: 166835.

ولكنه لا تحصل بذلك الردة إلا إذا كان مستخفًا به؛ فالأصل أنه مسلم، ولا يزول هذا اليقين بالشك؛ وانظر الفتوى رقم: 248032، وأما الفتوى رقم : 64588، فكانت حول إلقاء أوراق محتوية على آيات قرآنية، وأحاديث نبوية في سلة المهملات، وقد ذكرنا فيها أن تركها في مثل هذا المكان يعد كفرًا، وأما الفتوى رقم: 113332؛ فقد ذكرنا فيها أن مجرد إلقاء المصحف دون قصد الإهانة لا يعد كفرًا، ولكنه أمر شنيع، وشتان بين ذلك، وبين إلقائه في مكان مستقذر مثل سلة المهملات، وهو كفر لا ريب فيه، كما بين العلماء على نحو ما ذكرنا في الفتوى الأولى.

الله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني