الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المعنى المراد من قوله تعالى (ونفخت فيه من روحي)

السؤال

لقد أبلغنا الله عز وجل بأنه نفخ فينا من روحه، أي أننا جميعًا من روح الله عز وجل، فكيف نتجت روح الشر في بني البشر؟ وهل ستعذب هذه الروح والتي أصلها من روح الله خالدة في النار؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فلعل السائل قد أشكل عليه المراد من قوله تعالى عن آدم عليه السلام: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [الحجر:29]. وعليه فليعلم أن الله تعالى إنما أضاف الروح إلى نفسه إضافة تشريف وتكريم كما تقول: بيت الله، وعبد الله، فكذلك روح الله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: المضاف إلى الله تعالى إذا كان معنى لا يقوم بنفسه ولا بغيره من المخلوقات وجب أن يكون صفة لله قائمة به، وامتنع أن تكون إضافته إضافة مخلوق مربوب، وإذا كان المضاف عينًا قائمة بنفسها كعيسى وجبريل عليهما السلام وأرواح بني آدم امتنع أن تكون صفة لله تعالى؛ لأن ما قام بنفسه لا يكون صفة لغيره. اهـ.
وقال القرطبي رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي : النفخ إجراء الريح في الشيء، والروح جسم لطيف أجرى الله العادة بأن يخلق الحياة في البدن مع ذلك الجسم، وحقيقته إضافة خلق إلى خالق، فالروح خلق من خلقه، أضافه إلى نفسه تشريفًا وتكريمًا كقوله: أرضي وسمائي وبيتي وناقة الله وشهر الله، ومثله: وروح منه. اهـ.
واعلم أن الشر لا ينتج من الروح مفردة، وإنما من اجتماعها بالبدن.
قال ابن القيم رحمه الله: وباجتماع الروح مع البدن تصير النفس فاجرة أو تقية، وإلا فالروح بدون البدن لا فجور لها. اهـ.
ومن هنا تعلم - أخي السائل - أن الروح من خلق الله، وإنما تحل الروح بدن الإنسان عن طريق الملك الموكل بالأرحام بأمر من الله تعالى، كما في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح... الحديث.
والله تعالى قد بيَّن للعبد طريق الخير وحضّه على سلوكه، وبيَّن له طريق الشر وحذره منه، قال تعالى: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:10]. أي طريق الخير والشر، ثم إن العبد قد يختار طريق الشر فإذا ارتكب الشرور والقبائح تكتسب روحه الشر الذي تلبّس به فتصبح روحًا خبيثة شريرة، فإذا عذبت الروح فلكون صاحب البدن الذي حلت به كان يفعل الشر ويصر عليه.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني