الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طاعة الأب في الصلح مع الأقرباء واجبة

السؤال

يوجد بيني وبين عمي وجدتي لأبي مشكلة، فهم دائمو التدخل في حياتي، ويدخلون في رأس أبي الأفكار، ويدفعونه لمحاوله تغيير حياتنا بما يفيدهم هم من حيث الإقامة، ويريدون أن يجدوا لي زوجاً يتوافق مع مواصفاتهم هم، وبالتالي فأنا لا أتحدث معهم تجنباً للخلافات والمشاكل التي لا لزوم لها. فهل أنا علي خطأ؟ فأبي لا يتوقف عن توبيخي من أجلهم، وذلك حتى يدفعني لمصالحة جدتي والبقاء في بيتها، فوالداي مطلقان، وأنا أعيش مع والدتي أحيانًا ومع والدي أحياناً أخرى.
وأخيراً أود أن أضيف أني أبلغ من العمر 26 عاماً، وأعمل لأعول نفسي، ولا أحتاج لأي منهم في شيء، ولا أريد أن أغضب الله أو أن أغضب أبي فهل هو على حق؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن بر الوالدين فرض على الولد بنص كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولذا قرن طاعتهما بعبادته وتوحيده، فقال: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [النساء:36].

وقال سبحانه: وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14]. وقال سبحانه: وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً [الأحقاف:15].

وفي الصحيح من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-: أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-، أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قالت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله. متفق عليه.

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا يجزي ولد والداً إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه.

وقد عد النبي -صلى الله عليه وسلم- عقوق الوالدين من الكبائر، ففي حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثاً قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين... الحديث. وهو متفق عليه.

ولا شك أن الجدة تدخل تحت مسمى الوالدة، ولكن الآيات تنزل ابتداء على أمك وأبيك، ويدخل في ذلك جدك وإن علا، وجدتك وان علت، فالبر والإحسان إليهم واجب، وكذا العم ينبغي له التقدير والاحترام.

فالذي يجب عليك تجاه جدتك وعمك أن تحلي هذه المشكلة، وأن تتجنبي الدخول معهم في المشاكل، وذلك بما تسدينه إليهم من معروف وإحسان وبر وتقدير واحترام.

ولا شك أن الولد إذا كان ذا أخلاق عالية مع والديه وأقاربه سينال منهم التقدير والاحترام والحب، ونزولهم هم عند رغبته بأن يحبوا له ما يحب، ويكرهوا له ما يكره، فعليك -أختي الكريمة- أن تنظري موضع الخلل، والسبب الذي ولَّد تلك المشكلة فتعالجيه بما يناسب. ثم إنه لا يجوز لك أن تعصي أمر أبيك في مصالحة جدتك فلم يأمرك إلا بمعروف، والطاعة له في المعروف واجبة.

وعلى الجدة والعم وكذا الأب أن لا يجبروا البنت على أن تتزوج بزوج لا ترتضيه لنفسها، لأن هذا الأسلوب -أي أسلوب الإجبار على الزواج- وخيم العاقبة سرعان ما ينتهي إلى الطلاق بعد المشاكل التي قد تنتج عنه مع الولد الذي سيعاني من مشاكل نفسية وهموم، أو مشاكل أسرية مع أهله وذويه.

وليس للوالد أن يجبر ابنته على الزواج إلا بمن ترضى، فإذا أردت أن ترضي ربك فلا بد أن تحسني معاملة والدك وجدتك، وتدفعي بالتي هي أحسن، وإن أساء، إليك فاصبري وتحملي، واحتسبي الأجر عند الله تعالى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني