الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حشر الدنيا وحشر الآخرة

السؤال

كيف نجمع بين الأحاديث الدالة على أن أرض المحشر في الشام وهي أرض بيضاء، وبين آية (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار)، وحديث اليهودي الذي أجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ: (هم في الظلمة دون الجسر)؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فان الحشر يكون في الدنيا قبل قيام الساعة وهو من أشراطها، ويكون أيضا بعد بعث الناس يوم القيامة؛ كما قال القرطبي في التفسير وفي التذكرة .

وحشر الدنيا يكون بأرض الشام للموجود من الأحياء في آخر الزمان، وهذا هو المراد بالحديث الوارد في النار التي تخرج من عدن وتحشر الناس إلى الشام، ففي صحيح مسلم عن حذيفة بن أسيد الغفاري ـ رضي الله عنه ـ قال: اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر فقال: ما تذاكرون؟ قالوا: نذكر الساعة. قال: إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات، فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم.

وفي صحيح البخاري عن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن عبد الله بن سلام بلغه مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فأتاه يسأله عن أشياء فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: أخبرني به جبريل آنفا، قال: ابن سلام ذاك عدو اليهود من الملائكة، قال: أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. قال: يا رسول الله؛ إن اليهود قوم بهت، فاسألهم عني قبل أن يعلموا بإسلامي، فجاءت اليهود. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أي رجل عبد الله بن سلام فيكم؟ قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وأفضلنا وابن أفضلنا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام، قالوا: أعاذه الله من ذلك، فأعاد عليهم، فقالوا مثل ذلك. فخرج إليهم عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، قالوا: شرنا وابن شرنا، وتنقصوه، قال: هذا كنت أخاف يا رسول الله. اهـ
وعن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تخرج نار من نحو حضرموت ـ أو من حضرموت ـ تسوق الناس. قلنا: يا رسول الله؛ فما تأمرنا؟ قال: عليكم بالشام. رواه أبو يعلى وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح. اهـ

وجاء في النهاية في الفتن والملاحم (1/ 284): وهذه النار تسوق الموجودين في آخر الزمان من سائر أقطار الأرض إلى أرض الشام منها وهي بقعة المحشر والنشر. اهـ

وفي التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 515): باب الحشر، ومعناه الجمع، وهو على أربعة أوجه: حشران في الدنيا وحشران في الآخرة. أما الذي في الدنيا فقوله تعالى {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر} قال الزهري: كانوا من سبط لم يصبهم جلاء، وكان الله عز وجل قد كتب عليهم الجلاء فلولا ذلك لعذبهم في الدنيا، وكان أول حشر حشروا في الدنيا إلى الشام، «قال ابن عباس: من شك أن الحشر في الشام فليقرأ هذه الآية وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: اخرجوا، قالوا: إلى أين؟ قال: إلى أرض المحشر» قال قتادة: هذا أول الحشر. الثاني: ما رواه مسلم «عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يحشر الناس على ثلاث طرائق راغبين وراهبين واثنان على بعير وثلاثة على بعير وتحشر بقيتهم النار تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا» أخرجه البخاري أيضاً. وقال قتادة: الحشر الثاني نار تحشرهم من المشرق إلى المغرب تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا، وتأكل منهم من تخلف. قال القاضي عياض: هذا الحشر في الدنيا قبل قيام الساعة وهو آخر أشراطها كما ذكره مسلم بعد هذا في آيات الساعة، قال فيه: وآخر ذلك في نار تخرج من قعر عدن تزجر الناس، وفي رواية: تطرد الناس إلى محشرهم، وفي حديث آخر: لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز، ويدل على أنها قبل يوم القيامة. قوله: فتقيل معهم حيث قالوا، وتمسي معهم حيث أمسوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا. ..اهـ

واما الحشر في الاخرة فيكون بعد النفخ، ويكون على أرض أخرى غير هذه الأرض، كما قال تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ {إبراهيم:48}، وقد حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن صفة هذه الأرض الجديدة التي يكون عليها الحشر، ففي صحيحي البخاري ومسلم عن سهل بن سعد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي " قال سهل أو غيره: " ليس فيها معلم لأحد.
وفي تفسير القرطبي (9/ 383): الصحيح إزالة هذه الأرض حسب ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، روى مسلم عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت قائما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه حبر من أحبار اليهود فقال: السلام عليك، وذكر الحديث، وفيه، فقال اليهودي أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في الظلمة دون الجسر، وذكر الحديث، وخرج عن عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله: يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات فأين يكون الناس يومئذ؟ قال: على الصراط، خرجه ابن ماجه بإسناد مسلم سواء، وخرجه الترمذي عن عائشة وأنها هي السائلة، قال: هذا حديث حسن صحيح، فهذه الأحاديث تنص على أن السموات والأرض تبدل وتزال، ويخلق الله أرضا أخرى يكون الناس عليها بعد كونهم على الجسر، وفي صحيح مسلم عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها علم لأحد... اهـ
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني