الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل للعامل الذي لم يعمل أن يشارك زميله الذي قام بالعمل في الأجرة

السؤال

وصلني 50 ريالا من صاحب العمل لأداء عمل بعينه، ولم يفعل زميلي شيئًا معي في هذا العمل، فهل لي أن أعطيه شيئًا من هذا المبلغ؟ وهل من حقه أن يطالب بشيء؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالجواب عن هذا السؤال ينبني على تكييف العلاقة بينك وبين زميلك؛ فإن كانت علاقة شراكة، كما في شركة الأعمال (أو الأبدان)، فحينئذ تشتركان فيما يكتسبه كل منكما، ولو عمل أحدكما دون الآخر، ما لم يكن ممتنعًا، فقد ذهب بعض أهل العلم إلى عدم استحقاقه شيئا من الكسب في هذه الحالة.
قال ابن قدامة: وإن عمل أحدهما دون صاحبه، فالكسب بينهما، قال ابن عقيل: نص عليه أحمد في رواية إسحاق بن هانئ، وقد سئل عن الرجلين يشتركان في عمل الأبدان، فيأتي أحدهما بشيء، ولا يأتي الآخر بشيء؟ قال: نعم، هذا بمنزلة حديث سعد وابن مسعود. يعني: حيث اشتركوا، فجاء سعد بأسيرين، وأخفق الآخران. ولأن العمل مضمون عليهما معًا، وبضمانهما له وجبت الأجرة، فيكون لهما كما كان الضمان عليهما، ويكون العامل عونًا لصاحبه في حصته، ولا يمنع ذلك استحقاقه، كمن استأجر رجلًا ليقصر له ثوبًا، فاستعان القصار بإنسان فقصر معه، كانت الأجرة للقصار المستأجر، كذا هاهنا وسواء ترك العمل لمرض أو غيره، فإن طالب أحدهما الآخر أن يعمل معه أو يقيم مقامه من يعمل، فله ذلك، فإن امتنع فللآخر الفسخ، ويحتمل أنه متى ترك العمل من غير عذر، أن لا يشارك صاحبه في أجرة ما عمله دونه، لأنه إنما شاركه ليعملا جميعًا، فإذا ترك أحدهما العمل، فما وفى بما شرط على نفسه، فلم يستحق ما جعل له في مقابلته. وإنما احتمل ذلك فيما إذا ترك أحدهما لعذر، لأنه لا يمكن التحرز منه.
وقال ابن عثيمين -رحمه الله-: "لو ترك العمل لغير عذر، مثل إنسان لا يهتم ولا يعمل بدون عذر، فالمذهب الكسب بينهما؛ لأنه يمكن للشريك أن يطالب شريكه بمن يقوم مقامه ولم يفعل، ولكن هذا فيه نظر. والصواب: أن ما كسبه صاحبه في هذا اليوم له، يختص به؛ لأن هذا ترك العمل بغير عذر، والآخر انفرد بالكسب.

فإذا قال قائل: أليس يلزمه أن يطالبه بأن يقيم مقامه من يكون بدله؟
قلنا: بلى، لكن ربما يستحيي الإنسان، وربما يظن أنه ترك العمل لعذر فيخجل أن يذهب إليه ويطالبه بالعمل، فلذلك القول الراجح في هذه المسألة: أنه إذا ترك العمل لغير عذر، فإنه لا يستحق كسب ذلك الزمن الذي ترك فيه العمل بغير عذر" اهـ من الشرح الممتع.
ولمزيد الفائدة عن شركة الأبدان وأحكامها راجع الفتويين: 137153، 72115.

هذا كله إن كان بينكما عقد شراكة. أما إن كانت العلاقة بينكما مجرد صداقة أو جوار ونحو ذلك فلا يحق لزميلك مطالبتك بشيء من أجر العمل المذكور.

وعمومًا: فإن أردت أن تعطيه شيئًا على سبيل التودد أو الإحسان فحسن.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني