الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

جواز التحاكم بين الأم وأولادها إذا منعتهم حقهم من الميراث

السؤال

توفي أبي ـ رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته ـ منذ ثلاث سنوات، وقد ترك لنا البيت الذي يسكنه، وجزء من البيت ‏مؤجر، هو ومحل تجاري، وتعويض مالي عن الوفاة وراتبه بعد الوفاة، ونحن ستة أبناء ـ3 رجال و3 نساء ـ ‏وكلنا متزوجون ولدينا أبناء بالإضافة إلى أمنا ـ بارك الله في عمرها ـ وجدي وجدتي وأعمامي وعماتي كلهم قد توفوا إلا ‏عمي الأصغر فإنه على قيد الحياة، وأمي تسكن في البيت ومعها أحد إخوتي وزوجته، والبقية كل منا يسكن في بيته الخاص، وأوضاعنا المادية جميعا ‏ميسورة ـ ولله الحمد ـ ماعدا إحدى أخواتي فإن وضعها المادي ضعيف، علما بأن إيجار جزء البيت والمحل وراتب أبي والتعويض بعد الوفاة يرجع كله إلى والدتي وأخي الذي يسكن ‏عندها، ونحن لم نطالب بشيء منه، لأننا ـ ولله الحمد ـ لسنا بحاجته، ولكن إحدى أخواتي ولأكثر من مرة تطلب من أمي وأخي إعطاءها جزءا من الإيجار نتيجة وضعها المادي الضعيف، ولكنهم لا يعطونها شيئا منه، وباقي إخوتي كلهم يرفضون إعطاءها حقها من الميراث وأمها على قيد الحياة، وهي الآن تطلب مني أن أطالب بحقي معها، وفي كل مرة أعطيها مبلغا من المال حتى أؤجل الأمر خوفا من غضب ‏أمي، ولأنه ربما تحصل مشكلة مع أخي الذي يعتبر كل شيء من حقه، لأنه يسكن مع أمي، وأنا أعلم أن أختي من حقها أخذ ‏نصيبها، وهذا ما يجعلني في حيرة، فهل لنا حق جميعا في إيجار البيت وإيجار المحل وتعويض الوفاة؟ أم أن هذا الأمر يكون بعد وفاة الأم؟ وما الحل إذا ‏رفضت أمي وأخي هذا الأمر؟ علما بأن البيت والمحل التجاري قد سجل أبي نصفهما باسم أمي منذ 20 سنة، لأنها كانت تعمل خياطة وتساعده ‏طوال فترة حياتهما.
وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فلا يجوز أن يُمنع أحد من الورثة من حقه في الميراث بحجة أن الأم ما زالت حية، سواء كان ذلك الوارث غنيا أو فقيرا، والأم ليس لها ولاية على مال أبنائها وبناتها حتى لو كانوا صغارا، فكيف وهم كبار بالغون، وكل واحد منهم له الحق في أخذ نصيبه كاملا موفورا، لأنه حق ملَّكه الله إياه، ومن منع أحدا منهم من أخذ حقه فهو عاص آثم تلزمه التوبة إلى الله تعالى، ومن أخذ من التركة ما ليس له فهو ضامن يلزمه رده إلى الورثة، حتى الأم نفسها لا يجوز أن تمنع أحدا من بناتها أو أبنائها من أخذ حقهم في الميراث.

وليعلم الجميع أنهم موقوفون أمام الله تعالى يوم لا ينفع مال ولا بنون، وقد قال عليه الصلاة والسلام: مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ مِنْ أَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مَالِهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ حِينَ لَا يَكُونُ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَجُعِلَتْ عَلَيْهِ. رواه البخاري وأحمد.

وأما هل لكم الحق في إيجار البيت أو المحل: فالذي فهمناه من السؤال أن أمكم تملك جزءا منه، لأنها شاركت بمالها فيه، وإذا كان هذا هو الواقع، فإنكم ترثون نصيب والدكم من الإيجار ويقسم بينكم القسمة الشرعية، فإذا كان والدكم قد ملك نصف العقار وملكت أمكم النصف الآخر فإنكم ترثون نصف الإيجار فقط، وأما النصف الآخر: فهو ملك لها وليس تركة عن والدكم.
وإذا وقع تنازع واختلاف وتعنت من بعض الورثة في منع الآخرين من حقهم فلترفعوا الأمر إلى المحكمة الشرعية حتى تنظر في القضية من جميع جوانبها، وتلزم الورثة بما يلزمهم شرعا حتى ولو كانت الأم هي الظالمة لم يكن هناك حرج في رفع الأمر إلى المحكمة إن لم تجدوا سبيلا آخر، ولا يعتبر هذا عقوقا، فقد دلت السنة على جواز مرافعة الوالد ومخاصمته عند المحاكم، وذلك فيما رواه البخاري في صحيحه من حديث مَعْن بْن يَزِيدَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَأَبِي وَجَدِّي، وَخَطَبَ عَلَيَّ فَأَنْكَحَنِي، وَخَاصَمْتُ إِلَيْهِ وَكَانَ أَبِي يَزِيدُ أَخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَجِئْتُ فَأَخَذْتُهَا فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا إِيَّاكَ أَرَدْتُ، فَخَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَكَ مَا نَوَيْتَ يَا يَزِيدُ، وَلَكَ مَا أَخَذْتَ يَا مَعْنُ.
قال الحافظ في الفتح: وَفِيهِ جَوَاز التَّحَاكُم بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ، وَأَنَّ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَكُونُ عُقُوقًا. اهـ.

والغالب في مثل هذه المسائل التي يقع فيها نزاع بين الورثة أنها تكون أحوج إلى القضاء منها إلى مجرد الفتيا، والله تعالى يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني