الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

موقف الداعية من قساة القلوب المعرضين عن سماع الوعظ

السؤال

سؤالي الجديد عن موضوع أحسبه مشكلة كبيرة، وكارثة محزنة، أصبحت شديدة الانتشار، بل كثيفة: كيف نتعامل بشكل عام مع الفئة المسلمة، قاسية القلب، العينات العجيبة، الغريبة التي تتضايق، وتنفر بشدة عند ذكر أي شيء من الدين أمامهم، فبإيجاز عندما يذكر دين الله على وجه الشمول والعموم (أحكامه، أوامره، نواهيه، الآخرة، الواجب فعله، ما هو أولى تركه، أو اجتنابه، أي شيء ) وردود أفعالهم تقريبا حفظتها كلها: فمنهم من تجده يتضايق، أو على الأقل يحاول أن يخفي ذلك، وملامح وجهه تكشفه، ومنهم من تجده عند الكلام في الدين يحاول تغيير الموضوع لمسار آخر، فهؤلاء أحسهم يحبون الغفلة، ومنهم أيضا من يجعلك تأسف عليه، فقط تكلمه عن شيء هو له خير، وفي صالحه، وينفعه في الدنيا والآخرة فتجده ببرود، وعدم اكتراث، واهتمام وبجدية يطلب منك قائلا: لا تكمل لي، لا أريد أن أسمع، والبعض الآخر بفظاعة وبقسوة يزيد من إحراجك، ويجرح مشاعرك، ويقول: دع هذه المعلومات لنفسك، يعجبنا ما نحن فيه، وهذا شيء لا يخصك من الأساس، فخليه لنفسك، أو فخليك في نفسك. فصدقا لا أعلم ماذا ألم بالشباب ليسمحوا للشيطان أن يصل بهم لهذه المرحلة من تحجر القلب، والركون للأهواء والملذات التي تحبها النفس، لدرجة كرههم لسيرة الدين، وذكره بشكل عام، والصلاة وذكرها بشكل خاص:( فو الله هذه مصيبة، إنا لله وإنا إليه راجعون؛ بعضنا يتقبل، ويفعل الخير والشر، ويغفل ويرجع، وأحيانا يذنب بقصد، ومع ذلك يعاود الرجوع، لكن هؤلاء فوق أنهم نائمون في سبات عميق، يتضايقون بشكل طبيعي جدا وبسهوله من ذكر ما يمت بصلة للمولى جل وعلا، هل نستطيع أن نساعدهم بشيء؟ فكما فهمتم التعقيد الشديد هنا أنهم لا يتقبلون الكلام من أحد، وإن كان سيتحدث ولو حتى عن الثواب، والمكاسب العظيمة التي ترجع من وراء فعل الأعمال الخيرة الصالحة على رأسها الصلاة والالتزام بها، وأيضا الغنيمة والأجر الكبيران لمن أمسك نفسه، وابتعد عن ما نهى الله عنه صابرا، متطلعا لما هو أسمى: نوال رضا ربنا، وما سيترتب عليه من فوز بالجنان بإذن الله، هم ببساطة لا يكترثون، وسامحني أكررها مرة أخرى -شيخي الحبيب- لا يكترثون، وأغلبهم ومع تنوع طرق الوعظ، واستخدام الترغيب والترهيب، واختلاف الناصحين لا يتقبل أن يسمع.
هل تعتقدون أنه يوجد أمل، أو طرق إيجابية أخرى فعالة نجربها قد تنفع معهم؟
نرجو تقديم كل ما تستطيعون.
أسأل الله لكم سداد الخطى والإلهام.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن قسوة القلوب -عياذا بالله- من أفتك الأمراض، وأقتل الأدواء، وهي الحامل على ما ذكرت من الإعراض عن ذكر الله، والاشمئزاز عند ذلك، وهذا من علامات الحرمان -عافانا الله-، كما قال تعالى: وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ {الزمر:45}. وروى الترمذي من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي.

وأما الأمل في صلاح من هذه حاله، فإنه قائم ولا شك، فإن الهدى هدى الله، والقلوب بين إصبعين من أصابعه سبحانه، يقلبها كيف يشاء، وعلى الداعي إلى الله ألا يمل من تذكيرهم، ومناصحتهم وإن أعرضوا ونفروا، وليتبع في ذلك أقرب الوسائل لاستمالتهم، ويستعين على ذلك بذكر القصص المشوقة، والأخبار النافعة، ولو جعل في كلامه معهم بعض المزاح، أو الدعابة التي لا تخرج عن حد الوقار، ولا تحط من قيمة العلم لأجل استمالتهم واستدعاء إصغائهم، فهو حسن، وليستغل الفرص في النصيحة كحال الموت، والاحتضار، وعيادة المرضى، وزيارة القبور ونحو ذلك، وليكن قدوة صالحة؛ فعسى أن ينتفع الناس بهديه، وسمته ما لا ينتفعون بمقاله. وننصح هنا بمراجعة كتاب: أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان رحمه الله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني