الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ربَّ صَرْم جميل خير من مخالطة مؤذية

السؤال

أخ وزوجته( بنت خالتة) يعقان والدته منذ أن تزوجا منذ 25 سنة ولم ينفع معهم لا النصح ولا المعاملة الحسنة من إخوتة ولم يتأثرا لا بمرض الوالدة و لا بكبر سنها ولا حتى بموتها وهما الآن يثيران المشاكل مع إخوته فهل يجوز لإخوته بعد أن نفد صبرهم أن يهجروهم أي يتعاملوا معهم في أضيق نطاق دون أن يقاطعوهم بالكلية؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن كان الحال كما ذكرتم في السؤال فيسوغ لكم أن تهجروهما حتى يتوبا إلى الله تعالى. قال شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله في الفتاوى 3/19: وكل من أظهر الكبائر فإنه تسوغ عقوبته بالهجر وغيره ممن في هجره مصلحة له راجحة، فتحصل المصالح الشرعية في ذلك بحسب الإمكان. انتهى.
وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية 1/230 : . يسن هجر من جهر بالمعاصي الفعلية والقولية والاعتقادية. قال أحمد في رواية حنبل: إذا علم أنه مقيم على معصية وهو يعلم بذلك لم يأثم إن هو جفاه حتى يرجع، وإلا كيف يتبين للرجل ما هو عليه إذا لم ير مُنْكِراً ولا جفوة صديق. انتهى.
وقال العراقي في طرح التثريب 8/99 : فأما الهجران لمصلحة دينية من معصية أو بدعة فلا يمنع منه، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهجران كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع رضي الله عنهم. قال ابن عبد البر : حديث كعب هذا دليل على أنه جائز أن يهجر المرء أخاه إذا بدت له منه بدعة أو فاحشة يرجو أن يكون هجرانه تأديباً له وزجراً عنها . وقال أبو العباس القرطبي: فأما الهجران لأجل المعاصي والبدعة فواجب استصحابه إلى أن يتوب من ذلك ولا يختلف في هذا. وقال ابن عبد البر أيضاً: أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث؛ إلا أن يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه، فإن كان كذلك رخص له في مجانبته، وربِّ صرم جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى.
وليعلم أن هجر أصحاب المعاصي ليس مقصوداً بذاته إنما المقصود صلاح أحوال العباد، فإذا كان الهجر سبباً في كف العاصي وصلاح حاله كان الهجر حسناً، بل قد يكون واجباً في بعض الأحوال.
وإذا كانت المخالطة سبباً في حصول تلك المصالح كانت المخالطة أولى من الهجر. قال في الفواكه الدواني 2/296 : وإنما يقتصر المكلف على هجران المجاهر إذا كان (لا يصل إلى عقوبته) أي لا قدرة له على زجره عنها إذا كان لا يتركها إلا بالعقوبة (ولا يقدر على موعظته) لشدة تجبره، أو يقدر لكن (لا يقبلها) لعدم عقل ونحوه، وأما لو كان يتمكن من زجره عن مخالطة الكبائر بعقوبته بيده إن كان حاكماً أو في ولايته أو يرفعه للحاكم أو بمجرد وعظه لوجب عليه زجره وإبعاده عن فعل الكبائر، ولا يجوز له تركه بهجره. والحاصل أن المتجاهر بالكبائر لا يجب هجرانه مع بقائه على مخالطة الكبائر إلا عند العجز عن زجره. انتهى.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني