الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفسير: غلبت الروم في أدنى الأرض

السؤال

من هم الروم الذين ذكروا فى القرآن بأنهم من بعد غلبهم سيغلبون؟ وما هي حدود امبراطوريتهم آنذاك؟ وماذا كانت جنسيتهم (بالنسبة للوقت الحالي) ووعدنا الرسول صلى الله عليه وسلم بفتح إيطاليا في المستقبل هل أيضا هؤلاء لهم علاقة بهم؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن المراد بهؤلاء هم الروم الذين كانوا يسكنون بالشام وما حولها، قال ابن كثير: نزلت هذه الآيات حين غلب سابور ملك الفرس على بلاد الشام وما والاها من بلاد الجزيرة وأقاصي بلاد الروم، واضطر هرقل ملك الروم حتى ألجأه إلى القسطنطينية وحاصره فيها مدة طويلة، ثم عادت الدولة لهرقل، قال الإمام أحمد: حدثنا معاوية بن عمرو، حدثنا أبو إسحاق عن سفيان عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما في قوله تعالى: ألم غلبت الروم في أدنى الأرض.. قال: غلبت وغلبت، قال: كان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم؛ لأنهم أصحاب أوثان، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس، لأنهم أهل كتاب، فذكر ذلك لأبي بكر، فذكره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، «أما إنهم سيغلبون» فذكره أبو بكر لهم، فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلا، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا، فجعل أجلا خمس سنين، فلم يظهروا، فذكر ذلك أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال «ألا جعلتها إلى دون- أراه قال العشر-» قال سعيد بن جبير: البضع ما دون العشر، ثم ظهرت الروم بعد، قال: فذلك قوله: ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون، في بضع سنين، لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم. هكذا رواه الترمذي والنسائي جميعا عن الحسين بن حريث عن معاوية بن عمرو، عن أبي إسحاق الفزاري عن سفيان بن سعيد الثوري به. اهـ
وأما عن جنسهم وعلاقتهم بإيطاليا فقد جاء في التحرير والتنوير:

والروم: اسم غلب في كلام العرب على أمة مختلطة من اليونان والصقالبة ومن الرومانيين الذين أصلهم من اللاطينيين سكان بلاد إيطاليا نزحوا إلى أطراف شرق أوروبا. تقومت هذه الأمة المسماة الروم على هذا المزيج فجاءت منها مملكة تحتل قطعة من أوروبا وقطعة من آسيا الصغرى وهي بلاد الأناضول. وقد أطلق العرب على مجموع هذه الأمة اسم الروم تفرقة بينهم وبين الرومان اللاطينيين، وسموا الروم أيضا ببني الأصفر؛ كما جاء في حديث أبي سفيان عن كتاب النبي صلى الله عليه وسلم المبعوث إلى هرقل سلطان الروم وهو في حمص من بلاد الشام إذ قال أبو سفيان لأصحابه «لقد أمر أمر ابن أبي كبشة إنه يخافه ملك بني الأصفر»، وسبب اتصال الأمة الرومانية بالأمة اليونانية وتكون أمة الروم من الخليطين، هو أن اليونان كان لهم استيلاء على صقلية وبعض بلاد إيطاليا، وكانوا بذلك في اتصالات وحروب سجال مع الرومان ربما عظمت واتسعت مملكة الرومان تدريجا بسبب الفتوحات وتسربت سلطتهم إلى إفريقيا وأداني آسيا الصغرى بفتوحات يوليوس قيصر لمصر وشمال أفريقيا وبلاد اليونان، وبتوالي الفتوحات للقياصرة من بعده فصارت تبلغ من رومة إلى أرمينيا والعراق، ودخلت فيها بلاد اليونان ومدائن رودس وساقس وكاريا والصقالبة الذين على نهر الطونة، ولحق بها البيزنطيون المنسوبون إلى مدينة بيزنطة الواقعة في موقع استانبول على البسفور، وهم أصناف من اليونان والإسبرطيين، وكانوا أهل تجارة عظيمة في أوائل القرن الرابع قبل المسيح، ثم ألفوا اتحادا بينهم وبين أهل رودس وساقس وكانت بيزنطة من جملة مملكة إسكندر المقدوني، وبعد موته واقتسام قواده المملكة من بعده صارت بيزنطة دولة مستقلة وانضوت تحت سلطة رومة فحكمها قياصرة الرومان إلى أن صار قسطنطين قيصرا لرومة وانفرد بالسلطة في حدود سنة 322 مسيحية، وجمع شتات المملكة فجعل للمملكة عاصمتين عاصمة غربية هي رومة، وعاصمة شرقية اختطها مدينة عظيمة على بقايا مدينة بيزنطة وسماها قسطنطينية، وانصرفت همته إلى سكناها فنالت شهرة تفوق رومة، وبعد موته سنة 337 قسمت المملكة بين أولاده، وكان القسم الشرقي الذي هو بلاد الروم وعاصمته القسطنطينية لابنه قسطنطينيوس، فمنذ ذلك الحين صارت مملكة القسطنطينية هي مملكة الروم، وبقيت مملكة رومة مملكة الرومان. وزاد انفصال المملكتين في سنة 395 حين قسم طيودسيوس بلدان السلطنة الرومانية بين ولديه فجعلها قسمين مملكة شرقية ومملكة غربية، فاشتهرت المملكة الشرقية باسم بلاد الروم وعاصمتها القسطنطينية، ويعرف الروم عند الإفرنج بالبيزنطيين نسبة إلى بيزنطة اسم مدينة يونانية قديمة واقعة على شاطئ البوسفور الذي هو قسم من موقع المدينة التي حدثت بعدها كما تقدم آنفا، وقد صارت ذات تجارة عظيمة في القرن الخامس قبل المسيح وسمي ميناءها بالقرن الذهبي، وفي أواخر القرن الرابع قبل المسيح خلعت طاعة أثينا، وفي أواسط القرن الرابع بعد المسيح جعل قسطنطين سلطان مدينة القسطنطينية، وهذا الغلب الذي ذكر في هذه الآية هو انهزام الروم في الحرب التي جرت بينهم وبين الفرس سنة 615 مسيحية. وذلك أن خسرو بن هرمز ملك الفرس غزا الروم في بلاد الشام وفلسطين وهي من البلاد الواقعة تحت حكم هرقل قيصر الروم، فنازل أنطاكية ثم دمشق وكانت الهزيمة العظيمة على الروم في أطراف بلاد الشام بمحاذاة بلاد العرب بين بصرى وأذرعات، وذلك هو المراد في هذه الآية في أدنى الأرض، أي أدنى بلاد الروم إلى بلاد العرب.... اهـ

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني