الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مدى صحة مقولة: ولادة العقل بعد ولادة الإنسان ووفاة العقل قبل وفاة الإنسان

السؤال

ما صحة هذ الكلام: ولادة العقل، بعد ولادة الإنسان؛ ووفاة العقل، قبل وفاة الإنسان؟
وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنظن أن المراد بالعقل في هذه العبارة: الفهم، وإدراك العلم، فإن كان كذلك، فجزؤها الأول واضح، ويمكن أن يستشهد له بقوله تعالى: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. [النحل: 78].
وأما جزؤها الثاني، فليس كليا، فبعض الناس يمتعون بعقولهم حتى الوفاة، وبعضهم يزول عقلهم قبل الوفاة! وهم من يردون إلى أرذل العمر، كما قال تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [النحل: 70] وقال سبحانه: وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا [الحج: 5].

قال البيضاوي في (أنوار التنزيل): {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} وهو الهرم، والخرف ..{لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً} ليعود كهيئته الأولى في أوان الطفولية من سخافة العقل، وقلة الفهم، فينسى ما علمه، وينكر ما عرفه. اهـ.
وقال السعدي: {أرذل العمر} أي: أخسه، وأرذله، وهو سن الهرم، والتخريف، الذي به يزول العقل ويضمحل، كما زالت باقي القوة وضعفت. اهـ.
وقال أبو حيان في (البحر المحيط): لا زمان لذلك محدود، بل ذلك بحسب ما يقع في الناس، وقد نرى من علت سنه، وقارب المائة أو بلغها في غاية جودة الذهن، والإدراك مع قوة ونشاط، ونرى من هو في سن الاكتهال، وقد ضعفت بنيته. اهـ.
وعلى هذا يدل أيضا قوله تعالى: وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ [يس: 68].

قال السعدي: {نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} أي: يعود إلى الحالة التي ابتدأ حالة الضعف، ضعف العقل، وضعف القوة. اهـ.
وكذلك قوله تعالى: ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ {التين:5}.

قال الطبري: أولى الأقوال في ذلك عندي بالصحة، وأشبهها بتأويل الآية، قول من قال: معناه: ثم رددناه إلى أرذل العمر، إلى عمر الخَرْفَى، الذين ذهبت عقولهم من الهرَم والكِبر، فهو في أسفل من سفل، في إدبار العمر، وذهاب العقل. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني