الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وضع الخميرة في العجين ليتخمر.. رؤية شرعية

السؤال

لقد ثبت لدي أن الخميرة تجعل العجين مسكرا، وها هي المعلومات: أولا: ما يتخمر في عملية التخمّر هي السكريات التي تتحول إلى كحول وإلى ثاني أكسيد الكربون، وفي النشويات مثل القمح الذي هو مصدر الدقيق الأبيض، والسكريات تتمثل في الكربوهيدرات، فالكربوهيدرات التي في القمح مكونة من الجلوكوز الذي هو نوع من السكّر، وقد تقرؤون أن السكريات في كوب من الدقيق أقل من جرام واحد، وهذا غير دقيق، إذ يتناول بعض السكريات دون البعض الآخر، ولكن السكريات التي تحللها الخميرة في العجين هي الكربوهيدرات، والآن، إليكم المعلومات الآتية:
كوب واحد من عصير العنب يحتوي على حوالي 36 جراماً من الكربوهيدرات، فهذه النسبة تكفي لجعل الشراب مسكراً إن تحولت الكربوهيدرات فيه إلى كحول وإلى ثاني أكسيد الكربون، إذ معلوم أن عصير العنب يكون مُسكراً إن تخمّر، وكوب واحد من الدقيق الأبيض فيه حوالي 95 جراماً من الكربوهيدرات، وهي مكونة من الجلوكوز كما سبق، ليكون لدينا كوب واحد من العجين، نحتاج إلى حوالي كوب واحد من الدقيق، وقد يظن البعض أن إضافة الماء إلى الدقيق يزيد الكمية، ولكن التجربة تفيد أن هذا غير صحيح، فكوب واحد من العجين فيه حوالي 95 جراماً من الكربوهيدرات، وهذه النسبة أكثر من ضعفي الكربوهيدرات الموجودة في كوب من عصير العنب، فالعجين يكون مسكراً إن تحولت الكربوهيدرات فيه إلى كحول وإلى ثاني أكسيد الكربون، فماذا تفعل الخميرة؟ إنها تحول السكريات إلى كحول وثاني أكسيد الكربون فعندما تنبذ الخميرة مع العجين، ستجعل فيه نسبة من الكحول تكون مسكرة، وهذا التكون للكحول يتم قبل أن يوضع العجين في الفرن، وها هي المعلومات: تقوم الخميرة بتحليل السكر إلى كحول وغاز ثاني أكسيد الكربون، وتُحتجز فقّعات غاز ثاني أكسيد الكربون في مركّب في العجينة يسمى الجلوتين، ومع تمدد الغاز، فإن الجلوتين يتمدد ويسبب ارتفاع العجينة إلى أعلى، ويتبخر الكحول الناتج أثناء عملية التخمر بفعل الحرارة أثناء الخبيز، وكذلك فإن حرارة الخبيز تُكَسِّر خلاية الخميرة:
ency.kacemb.comـ الخميرة، فالأرقام المذكورة أعلاه تفيد أن نسبة الكحول في العجين تكون مسكرة، مما يجعل العجين خمرا والخمر لا تجوز صناعته، ونعلم من الاقتباس أعلاه أيضاً أن أقل من جرام واحد من السكر لن يكفي لرفع العجين، إذ لن ينتج عنه ما يكفي من غاز ثاني أكسيد الكربون الذي هو ضروري لرفع العجين، فكما تم ذكره، قدر السكريات في كوب من العجين هو 95 جراما، وهو أكثر بكثير من القدر المطلوب لجعل الشيء مُسكرا إن تخمّر، إذاً، فوضع الخميرة في العجين هو حرام، إذ هو صناعة للخمر، والخبز الناتج عن هذه العملية المحرمة لا بد أن يكون حراماً أيضا، فما هو رأيكم؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاستعمال الخمائر في العجن ليس بالأمر الحادث، فهو أمر قديم معروف، روى البخاري عن أبي هريرة قال: إن الناس كانوا يقولون: أكثر أبو هريرة، وإني كنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطني، حتى لا آكل الخمير، ولا ألبس الحبير... إلخ.

قال العيني في عمدة القاري: قوله: الخمير ـ بفتح الخاء المعجمة وكسر الميم- وهو الخبز الذي خمر وجعل في عجينه الخميرة. اهـ.
ونقل أبو عبيد القاسم بن سلام في الغريب المصنف: عن الكسائي: خَمَرْتُ العجين، وفطَرْته، وهي الخُمرة التي تُجعل في العجين، وُيسمّيه الناس الخمير. اهـ.
وجاء في مختار الصحاح: الخمير والخميرة ما يجعل في العجين، تقول: خمر العجين، أي جعل فيه الخمير. اهـ.
وقال الخليل بن أحمد في العين: الفِتاقُ: خميرة ضخمة لا يلبث العجين إذا جعلت فيه أن يدرك. اهـ.
وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى نور على الدرب: ما حكم الخميرة التي يفعلونها في الدقيق لتساعد على تخميره وتسهيل طبخه، فبعض الناس يقول إنها خمرة ولا يجوز استعمالها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أجيبهم على هذا بأنه لا بأس بوضع الخميرة في العجين لأجل أن يتخمر، لأن هذا لا يؤثر فيه شيئاً، ثم هذا الخميرة أيضاً لا أظن أنها تسكر لو أن الإنسان تناولها وأكلها، والأصل في جميع المطعومات وفي جميع المشروبات وفي جميع الملبوسات الأصل فيها الحل حتى يقوم دليل على التحريم، لقول الله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {البقرة:29} فلا بأس من وضع الخميرة في العجين لأجل أن يتخمر. اهـ.

ثم إننا ننبه على أنه ليس كل ما يسمى كحولًا عند الكيميائيين يكون مسكرًا لمجرد دخوله تحت مجموعة الكحوليات، وقد سئل الشيخ عبد الرزاق عفيفي عن الروائح المحفوظة بالكحول، فقال: لا بأس به؟ ما لم تكن مسكرة، والمسكر فيها أنواع مخصصة، وهي التي تكسرها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس كل كحول مسكرًا، فقشر البرتقال فيه كحول، لكنه غير مسكر. اهـ.

وراجع لمزيد الفائدة الفتويين رقم: 101841، ورقم: 276955.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني