الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لم أُعِن عمي على المعصية فهجرني، فماذا يجب عليّ تجاهه؟

السؤال

طلب مني عمي البارحة الحاسب المحمول الخاص بي، لتشغيل فيلم من الأفلام، لا يحوي نساء على حد قوله إلا واحدة دميمة، فقلت له: ولكن به موسيقى، وهي حرام، فتجادلنا، وهو يقول؛ إنه سمع كلامًا للشيخ الشعراوي في الغناء، والغناء غير الموسيقى، فلم يقتنع.
الموضوع أنه طلب مني الجهاز، فلم أرضَ، وأخبرته أن جهاز ابنه موجود، لكنه أصر وغضب كثيرًا، وقال: لا بد أن تعلم أن بيني وبينك حدودًا في التعامل، وقال لي: حتى السلام لن يكون موجودًا بيننا، فما حكم ما فعلت؟ وماذا عليّ أن أفعل، وأراعي الآن، وفي المستقبل؟ وهل من نصيحة زيادة تقدمونها لي؟ وهل يجوز أن أصالحه، مع أن الخصومة إنما هي على حرام؟ عذرًا للإطالة، ولكن حتى أكون على بصيرة من أمري - جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الموسيقى تختلف عن مطلق الغناء، فالموسيقى محرمة لما في صحيح البخاري من حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر، والحرير، والخمر، والمعازف.

وإذا كانت محرمة فلا تجوز إعارة الجهاز لمن يسمعها منه؛ لحرمة الإعانة على الإثم؛ لقوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}.

وقد أحسنت في عدم مجاملته، وإعانته بما يسخط الله تعالى، فإنه لا طاعة لأحد في معصية الله تعالى، وفي حديث الترمذي: من أسخط الناس برضا الله رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن أسخط الله برضا الناس سخط الله عليه وأسخط عليه الناس.

وقال الشبراملّسي في حاشيته على كتاب العاريّة من شرح المنهاج: قال الزيادي: إنه إذا غلب على الظن عصيانه بما ذُكر حرمت إعارته له, ولم تصح, وإلا صحت، ولا حرمة. اهـ.

و جاء في تحفة المحتاج: وَيَحْرُمُ الْإِهْدَاءُ لِمَنْ يُظَنُّ فِيهِ صَرْفُهَا فِي مَعْصِيَةٍ. اهــ

هذا وينبغي لك الحرص على هدايته، والإحسان إليه، وتفادي مقاطعته بما يمكن من الوسائل المشروعة، فإذا أصر هو على المقاطعة، فالإثم عليه.

وبمعاملتك له بالأخلاق الفاضلة، سيكون الله معك، فقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: "لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك". والمل، والملة: الرماد الحار.
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها.
فهذان الحديثان يدلان على أن الأفضل أن تستمر في مواصلة عمك هذا، وإن قطعك وأن لك بذلك أجرًا عند الله تعالى.

ولعلك إن استمررت في دفع إساءة عمك إليك بالإحسان إليه، وصلة رحمه، يشرح الله صدره للحق، فيترك مقاطعتك، ويتحول فجأة من عدو لدود إلى صديق ودود، فقد قال الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت:34-35}،

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني