الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ليس في تكنية العرب المرأة بالنعجة تنقص لبني آدم

السؤال

قال تعالى: "إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ" (ص:23)، لماذا عدل كثير من المفسرين عن ظاهر اللفظ: نعجة، على أنها أنثى الضأن، وما شابه، إلى الكناية أنها زوجة، والسياق يناسب ظاهر اللفظ من كونهم خلطاء، فبغى أحدهما على الآخر في العمل بينهما، كما أن الأقرب أن يكون له تسع وتسعون نعجة، على أن تكون له تسع وتسعون زوجة، ثم إن من كانت له تسع وتسع زوجة، يشتهي زوجة أخيه الوحيدة، سواء كان في الدين، أم ما شابه. هذا احتمال صعب، كما أنه تعالى قال: (ولقد كرمنا بني آدم) أفيُكنِّي تعالى في كتابه عن الإنسان بالحيوان؟ أليس هذا تأثرًا بالإسرائيليات المردودة؟ نرجو توضيحًا من حضراتكم على تفسير القرطبي لكلمة النعجة؛ لأن أعداء الإسلام يستخدمونه، كما لو كان قوله من كلام الله، أو رسوله -حاشاهما من ذلك-؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن المفسرين اختلفوا في المراد بالنعجة هنا، ففسرها بعضهم بالمرأة، تسمية العرب المرأة بالنعجة، أو الشاة، من الكنايات الشائعة في لغة العرب، وليس فيها تنقص لبني آدم، فقد جاء في فتح القدير للشوكاني: النعجة هي الأنثى من الضأن، وقد يقال لبقر الوحش نعجة، ولي نعجة واحدة. قال الواحدي: النعجة: البقرة الوحشية، والعرب تكني عن المرأة بها، وتشبه النساء بالنعاج من البقر. اهـ.

وفي معاني القرآن، وإعرابه للزجاج: إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة، ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب.

كنى بالنعجة عن المرأة.

قال الأعشى:

فرميت غفلة عينه عن شاته. . . فأصبت حبة قلبها وطحالها.

عنى بالشاة ههنا المرأة. اهـ.

وفي تفسير البيضاوي: إن هذا أخي بالدين، أو بالصحبة. له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة هي الأنثى من الضأن وقد يكنى بها عن المرأة، والكناية والتمثيل فيما يساق للتعريض، أبلغ في المقصود. اهـ

ورجح بعضهم حمل النعجة على الشاة المعروفة؛ لأن حمل الكلام على الظاهر، أولى.

قال أبو حيان في البحر المحيط في التفسير: والظاهر إبقاء لفظ النعجة على حقيقتها، من كونها أنثى الضأن، ولا يكنى بها عن المرأة، ولا ضرورة تدعو إلى ذلك؛ لأن ذلك الإخبار كان صادرًا من الملائكة، على سبيل التصوير للمسألة، فمثلوا بقصة رجل له نعجة، ولخليطه تسع وتسعون، فأراد صاحبه تتمة المائة، فطمع في نعجة خليطه، وأراد انتزاعها منه، وحاجه في ذلك محاجة حريص على بلوغ مراده، ويدل على ذلك قوله: وإن كثيرًا من الخلطاء، وهذا التصوير، والتمثيل أبلغ في المقصود، وأدل على المراد. اهـ.

وفي تفسير القاسمي: وأما المذهب الثاني، فهو ما جزم به ابن حزم في (الفصل) وعبارته: ما حكاه تعالى عن داود عليه السلام، قوله صادق صحيح، لا يدل على شيء مما قاله المستهزئون، الكاذبون، المتعلقون بخرافات ولّدها اليهود. وإنما كان ذلك الخصم قومًا من بني آدم، بلا شك، مختصمين في نعاج من الغنم، على الحقيقة بينهم. بغى أحدهما على الآخر، على نصّ الآية. ومن قال إنهم كانوا ملائكة معرّضين بأمر النساء، فقد كذب على الله عزّ وجلّ، وقوَّله ما لم يقل، وزاد في القرآن ما ليس فيه، وكذّب الله عز وجل، وأقر على نفسه الخبيثة، أنه كذّب الملائكة؛ لأن الله تعالى يقول: وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ فقال هو: لم يكونوا قط خصمين، ولا بغى بعضهم على بعض، ولا كان قط لأحدهما تسع وتسعون نعجة، ولا كان للآخر نعجة واحدة، ولا قال له أكفلنيها. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني