الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام رد المسروق في حال الإمكان أو الهلاك أو التعذر

السؤال

أشكر جهودكم الجبارة على ما تقدمونه: قبل سنة كنت أعمل في شركة لبيع مادة الفوسفات، وكنت أشارك آخرين من سائقي السيارات بإعطائهم حملا زائدا عن المقرر، ويبيعونه بنصف سعر السوق ليتمكنوا من بيعه، وتوجد شركات تأخذ من السائقين الذين أتعامل معهم بأقل من سعر الشركة ليبيعوه، ويقسمون المبلغ بيني وبينهم، والآن تبت إلى الله وأريد إرجاع هذا المال الذي أخذته، فهل أرجع المال المأخوذ من البيع الحرام المخفض؟ أم أرجع المال مضروبا في اثنين، لأن السائقين كانوا يبيعون بأقل من سعر السوق بالنصف، علما بأنني لا أدري كم تكلفة هذه المادة على شركة الفوسفات؟ وهل أرجع فقط الذي أخذته؟ أم أحسبه كما يباع بالأسواق وأرجعه؟ وتكلفته على الشركة أقل من بيعه.
وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يتقبل توبتك، وأن يمحو حوبتك، واعلم أن من شروط التوبة مما فيه مظلمة للعباد ـ كالسرقة، ونحوها ـ التحلل من أصحاب الحقوق، برد المظالم إليهم، أو العفو والمسامحة منهم، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء، فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه، فحمل عليه.

وفي الحديث: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. أخرجه أصحاب السنن، وصححه الترمذي والحاكم.

والمسروق إذا كانت عينه باقية وأمكن رده، فيجب رده، ولا يجزئ رد قيمته حينئذ ـ إلا برضا المسروق منه، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: إذا كان ما يستحق استرداده قائما بعينه، فإنه يرد بعينه، كالمغصوب، والمسروق، والأصل في ذلك قول الله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ـ وقول النبي صلى الله عليه وسلم: على اليد ما أخذت حتى ترد. اهـ باختصار.

وفيها: السارق يجب عليه رد العين المسروقة إن كانت قائمة اتفاقا، فإن هلكت أو استهلكت وجب عليه رد مثلها إن كانت مثلية، وإلا فقيمتها. اهـ.
وأما إذا هلك عين المسروق أو تعذر رده فيجب رد مثله إن كان له مثل، وإن لم يكن له مثل فحينئذ يصار إلى رد القيمة، جاء في المنثور في القواعد الفقهية: قال الصيرفي: وأما رد المضمون فأقسام:

الأول: ما عينه موجودة، فيكلف رده، إلا أن يختار المالك خلافه.

الثاني: أن تنقص العين، فيردها وقيمة نقصها، إن لم يوجد مثل النقص كحنطة نقص منها جزء.

الثالث: أن تفوت العين، فيلزمه مثلها كالحنطة والزيت، لأن المثل موجود في نفسه، ويسقط الاجتهاد في القيمة، وما ليس له مثل أو لا يمكن فعل المثل كشق ثوب رجل، فلا يشق ثوب الآخر، لأن ذلك فساد عليهما في الأموال، وكل ما كان مثله من جنسه يتفاضل ولا يتحصل، فالرجوع إلى القيمة كالإحراق بالنار والرمي بالشيء في البحر. اهـ.

وعليه؛ فإن أمكن رد عين تلك المسروقات، فهو الواجب عليك، وإن تعذر ردها: فإن كان هناك مثل لما سرقته، فالواجب عليك رد المثل، وإن لم يكن لها مثل فحينئذ يجب عليك رد قيمتها، ويرجع في تحديد هذه القيمة إلى أهل الخبرة والاختصاص في ذلك الشأن، وأما الثمن الذي تم بيع تلك المسروقات به، أو الثمن الذي تبيع به الشركة عادة، أو تكلفة تلك المسروقات على الشركة: فكل ذلك لا اعتبار به، وإنما المعتبر ما سبق ذكره، من أنه يجب رد المسروق بعينه، فإن تعذر فيرد مثله، فإن لم يكن له مثل، فالقيمة، وراجع للفائدة الفتويين رقم: 138761، ورقم: 129119.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني