الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الإنكار اللين وتنويع أساليب النصح مع الصبر يفتح مغاليق القلوب

السؤال

نحن ثلاث أخوات، الكبرى متزوجة من رجل لا يصلي، ويسبّ الله والدين بصفة يومية، ومعتاد على ذلك، ويشرب الخمر أحيانًا، ولا يحترمها كثيرًا، ويعيش معظم يومه بعد عمله في المقهى للعب واللهو مع أصحاب السوء والتدخين، والله يعلم ما يقوم به أيضًا ولا تعلمه أختي، له من أختي أربع بنات، وهو يحب بناته، لكن تربية البنات مع رجل كهذا لا يقيم حدود الله، وفي تربيتهم تغض أختي البصر عن عديد من المخالفات بالرغم من أنها تلبس الحجاب؛ مثل: ترك البنات أمام التلفاز للتفرج على العديد من المسلسلات، وبالرغم من نصحي لها من خطورة هذا الفعل لما فيه من إفساد للدين والأخلاق، وتمرير أفكار مسمومة، ولا تمتُّ للدين بصلة للبنات بطريقة بطيئة.
أختي تلبس الملابس الضيقة، وتتبرج في ملابسها، وهي ضعيفة الشخصية أمام زوجها، وتخاف منه، وفي الظاهر تقول: أنا أعرف أنه منحط، لكن هو يحبني، وأحبه، ويجب أن أصبر معه. وهذا حقها، لكني أنا أبغضه في الله؛ لأنه يسب الله، وأنا لا أتكلم معه لانحطاطه الأخلاقي، وهي لا تحب أن أعامله هكذا.
أختي الثانية زوجها لا يصلي، وقاطع لرحمه، لأنه لا يعامل أمه وأباه بطريقة محترمة، ويقول أن أبويه ظلماه، ولهذا هو يتصرف هكذا، وقاطع لأخيه الأصغر لأنه فاسد ومنحرف، هو لا يشرب الخمر، لكنه أخذ قروضًا من البنك، وأكل الربا في بداية عمله، والآن ظروفه المادية صعبة، ويسبّ الله أحيانًا، ولكنه يندم، ويريد التوبة والصلاة، لكن لا يفعل أي مجهود لذلك، ويعيش أكثر يومه في العمل، ولا يوفر لأولاده الوقت اللازم لتربيتهم والاعتناء بأختي التي أصبحت مضطرة للتعامل مع السائق والركوب معه في السيارة، لأنه عوض عن زوجها المنشغل في هذه المشاوير، بالرغم من نصحي لها بحرمة ذلك، فتقول إنها مضطرة، فنصحتها أن تسوق بنفسها السيارة، وتقوم بأعمالها وحدها.
بالنسبة لي: أنا مطلقة، وأعيش مع أمي، ولي ثلاثة أولاد أتحرى في تربيتهم الدين، وأحاول أن أربيهم تربية تقوم على الدين؛ من نصائح، وتحفيظ القرآن، فولدي الأكبر قريبًا يتم جزء عم، وهو في سن الثامنة، وكل معاملاتي اليومية أربطها لهم بالدين، أقوم بهذا ونيتي صادقة أن يكونوا من الذرية الصالحة الطيبة ما استطعت، فالعيش في تونس فتنة لما فيها من فساد، وتفسخ أخلاقي، لكن الله هو المستعان، هذا ما أراه، وأفكر فيه، وأطبقه ما استطعت.
الآن أخواتي يلمنني، ويقلن إني فضة، وصعبة الطبع، ولست خلوقة؛ لأني لا أحترمهم، وصحيح أن كلامي جارح، وأختي الكبرى تصفني بأني لا أعلم من الدين إلا القشور، وأني لا أعلم إلا أن البدعة في الاحتفال بالمولد النبوي حرام، وهذه القشور.
أنا أنصحهم كثيرًا في الدين، وأقول لأختي يجب أن تترك البنات المسلسلات، وأن تلبسي لباسًا أقل ضيقًا، ولا أحترم زوجها حقًّا، لكن هي تقول: أنا حرة. وأختي الأخرى أنصحها في ترك الربا، والآن هي رافضة له، لكن ظروفها المادية صعبة، وأن لا تركب مع السائق، وهن مللن من كلامي هذا.
صارت مشاجرة بيننا على أساس كل هذا الحديث بيني وبين أخواتي، وأريد أن أعلم من هو الصحيح أو على طريق الحق.
الرجاء أريد فهم ما الحكمة؟ أو ما هو حكم وصفة ما أعيشه هل هو فتنة أو ابتلاء أو تمحيص لكل واحدة فينا؟ من هو الصحيح؟ وهل هجوم أخواتي لي هو فتنة لي؟
وهن محقات في أن كلامي جارح، لكن هكذا طبعي، لكن ما يهمني معرفته هل لأنهن يعشن في هذه البيئة يجعل الشيطان يوسوس لهن أني لا أملك من الدين إلا القشور؟ بماذا أفسر هجومهن على ديني بالذات؟ أريد أن أعلم هذه النقطة، وأريد الرجوع للعيش في كندا درءًا للفتنة، وراحة لي.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يعينك، وأن يهدي أختيك، ويصلحهما، وما ذكرت مما دار بينك وبينهما من مسائل فالصواب معك إلا في طريقة إنكارك عليهما، فينبغي أن يكون بالقول اللّيّن.
والذي ننصحك به -بعد تقوى الله تعالى-: هو متابعة النصح لأختيك بطريقة ودية، ورفق، ولين، وموعظة حسنة، وأن تبتعدي عن القسوة والشدة في دعوتهما، فهذه أنجع طريقة كما أرشد القرآن الكريم؛ قال الله -عز وجل-: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النحل: 125}.
فلا تتركي النصح لهما، ولا تملّي من ذلك؛ فإن النصيحة أساس الدين، وأحق الناس بها أقربهم إليك، وينبغي أن تنوعي طريقتك في النصح، وتغيري أساليبها، وتستخدمي فيها كل ما يؤثر عليهما من القصص، ومن الترغيب والترهيب، والحجج العقلية. وإذا لم تلقي الاستجابة منهما فلا تيأسي، ولتعلمي أن كل ما بذلت وتبذلينه من جهد فإنه في ميزان حسناتك عند الله تعالى.
ومن الأهمية بمكان: التحلي بالصبر في هذا الأمر اقتداء بأولي العزم من الرسل؛ فقد قال الله تعالى مخاطبًا رسوله محمدًا -صلى الله عليه وسلم-: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ {الأحقاف:35}. كما بيّن الله تعالى ما قام به نوح -عليه الصلاة والسلام- من صبره على دعوة قومه إلى الحق مع عنادهم وابتعادهم عن قبول ما يدعوهم إليه من عبادة الله وتوحيده، حيث قال: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً* فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً* وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً* ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً* ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً {نوح:9:5}.
فأنتِ إذًا في امتحان أتصبرين على دعوة أختيك أم تضجرين وتتركين؟! فعليك بالصبر مع الاجتهاد في الدعاء لهما بالاستقامة؛ عسى الله تعالى أن يوفقهما للهداية، فيكون ذلك في ميزان حسناتك، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعلي -رضي الله عنه-: فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم. متفق عليه.
وقد تضمن سؤالك أمورًا أخرى كثيرة نحيلك في الجواب عنها إلى الفتاوى التالية أرقامها: 25611، 24438، 167483، 231541، 196755، 132938، 24491، 66905.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني