الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كلمة الحق عند السلطان الجائر هل تعني الخروج عليه؟

السؤال

هل لكم أن تشرحوا لنا حديث: أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ـ والتوفيق بينه وبين عدم الخروج على الحاكم؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالمقصود بالجهاد في هذا الحديث هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك من عبادات اللسان، ولذلك قال: كلمة الحق ـ والكلام إنما يؤدى باللسان! وهذا ليس من الخروج على الأئمة، وإنما هو من النصح لهم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. رواه مسلم.

وإنما كان ذلك من أعظم الجهاد، لما فيه من المخاطرة بالنفس وتوطينها على تحمل الأذى في ذات الله تعالى، قال الخطابي في معالم السنن: إنما صار ذلك أفضل الجهاد، لأن من جاهد العدو وكان متردداً بين رجاء وخوف لا يدري هل يَغْلِب أو يُغلَب، وصاحب السلطان مقهور في يده، فهو إذا قال الحق وأمره بالمعروف فقد تعرض للتلف وأهدف نفسه للهلاك، فصار ذلك أفضل أنواع الجهاد من أجل غلبة الخوف. اهـ.

ونقل الطيبي في شرح المشكاة عن المظهر سببا آخر، فقال: لأن ظلم السلطان يسري في جميع من تحت سياسته وهو جم غفير، فإذا نهاه عن الظلم فقد أوصل النفع إلى خلق كثير، بخلاف قتل كافر. اهـ.

وكما سبقت إليه الإشارة، فإن هذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليس من الخروج على الأئمة، بل إن تغيير المنكر باليد إذا لم يكن بالسيف وإقامة القتال فليس من الخروج عليهم، إذا لم تترتب عليه فتنة، بل اقتصر خطره على صاحبه ولم يتعده إلى أهله أو أصحابه وجيرانه ونحوهم، وإلا امتنعن، قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: التغيير باليد لا يستلزم القتال، وقد نص على ذلك أحمد أيضا في رواية صالح، فقال: التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح، وحينئذ فجهاد الأمراء باليد أن يزيل بيده ما فعلوه من المنكرات، مثل أن يريق خمورهم أو يكسر آلات الملاهي التي لهم، ونحو ذلك، أو يبطل بيده ما أمروا به من الظلم إن كان له قدرة على ذلك، وكل هذا جائز، وليس هو من باب قتالهم، ولا من الخروج عليهم الذي ورد النهي عنه، فإن هذا أكثر ما يخشى منه أن يقتل الآمر وحده، وأما الخروج عليهم بالسيف، فيخشى منه الفتن التي تؤدي إلى سفك دماء المسلمين، نعم، إن خشي في الإقدام على الإنكار على الملوك أن يؤذي أهله أو جيرانه، لم ينبغ له التعرض لهم حينئذ، لما فيه من تعدي الأذى إلى غيره، كذلك قال الفضيل بن عياض وغيره، ومع هذا، فمتى خاف منهم على نفسه السيف، أو السوط، أو الحبس، أو القيد، أو النفي، أو أخذ المال، أو نحو ذلك من الأذى، سقط أمرهم ونهيهم، وقد نص الأئمة على ذلك، منهم مالك وأحمد وإسحاق وغيرهم. اهـ.

وقال الغزالي في إحياء علوم الدين: ذكرنا درجات الأمر بالمعروف، وأن أوله: التعريف، وثانيه: الوعظ، وثالثه: التخشين في القول، ورابعه: المنع بالقهر في الحمل على الحق بالضرب والعقوبة، والجائز من جملة ذلك مع السلاطين الرتبتان الأوليان، وهما: التعريف والوعظ، وأما المنع بالقهر: فليس ذلك لآحاد الرعية مع السلطان، فإن ذلك يحرك الفتنة ويهيج الشر ويكون ما يتولد منه من المحذور أكثر، وأما التخشين في القول كقوله: يا ظالم، يا من لا يخاف الله، وما يجري مجراه، فذلك إن كان يحرك فتنة يتعدى شرها إلى غيره لم يجز، وإن كان لا يخاف إلا على نفسه، فهو جائز، بل مندوب إليه، فلقد كان من عادة السلف التعرض للأخطار والتصريح بالإنكار من غير مبالاة بهلاك المهجة والتعرض لأنواع العذاب لعلمهم بأن ذلك شهادة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ثم رجل قام إلى إمام فأمره ونهاه في ذات الله تعالى فقتله على ذلك ـ وقال صلى الله عليه وسلم: أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر. اهـ.

وراجع لمزيد الفائدة عن هذه المسألة ما سبق أن ذكرناه في الفتوى رقم: 301594.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني