الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية التعويض إذا إتلف إنسان جهازا لغيره

السؤال

شكرا على هذا الموقع الرائع رأيت الفتاوى عندكم عن من يتلف مال الآخرين عمدا أو خطأ، لكنني لم أجد كل ما أريده فيها، فإذا كنت قد اشتريت جوالا قبل سنتين بـ 300 ريال، فأتلفه شخص الآن، فهل يعطيني بدل هذا الجوال 300 ريال، لأنه قد استعمل، وثمنه قل، ولا يباع في السوق بالمبلغ الذي اشتريته به قبل سنتين، كما في جميع الأجهزة الكهربائية كالتلفزيونات والغسالات، فإنه كل ما تقدم الزمن قل ثمنها؟ وإذا أعطاني جوالا مثله وكان أغلى وأكثر ثمنا، فهل لي أن آخذه؟ أم المال الزائد حرام علي؟ وإن استطاع أن يصلحه لي، فهل لي أن أطلب جوالا جديدا؟ كما أن أخي الصغير قبل يوم كانت عنده مظلة تقيه من الشتاء، فكسرها صاحبه، ثم أتاه في اليوم التالي بمظلة جديدة تبدو أغلى ثمنا من مظلته، فهل له أن يعيد له الفرق بينهما؟ وإن كان جاء بها عن طيب نفس منه، فهل يجوز أخذها؟.وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان الجوال قد تلف تلفا يسيرا لا يخل بالمقصود منه، فليس لك أن تطالب ذلك الشخص بجوال آخر ولا بثمنه، وإنما لك أن تطالبه بقدر النقص الذي لحق بقيمته، أما إن كان قد تلف تلفا يبطل المقصود منه، فبناء على ما ذهب إليه بعض أهل العلم، فإنك تخير بين إعطائه الجوال وأخذ قيمته، وبين إبقائك على الجوال ومطالبته بقدر جنايته على الجوال، قال في بداية المجتهد: وأما الجناية على العين من غير أن يغصبها غاصب: فإنها تنقسم عند مالك إلى قسمين: جناية تبطل يسيرا من المنفعة، والمقصود من الشيء باق، فهذا يجب فيه ما نقص يوم الجناية، وذلك بأن يقوم صحيحا ويقوم بالجناية فيعطى ما بين القيمتين، وأما إن كانت الجناية مما تبطل الغرض المقصود، فإن صاحبه يكون مخيرا إن شاء أسلمه للجاني وأخذ قيمته، وإن شاء أخذ قيمة الجناية، وقال الشافعي وأبو حنيفة: ليس له إلا قيمة الجناية. اهـ.

وفي الهداية من كتب الحنفية: إن من خرق ثوب غيره خرقا فاحشا، إن شاء المالك دفع الثوب إليه وضمنه قيمته، وإن شاء أمسك الثوب وضمنه النقصان. اهـ.

وقد اختلف الفقهاء في الوقت المعتبر في تقدير قيمة المتلف، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: كيفية التضمين الواجب بالإتلاف: لا نعلم خلافا في أن المتلف إن كان مثليا ضمن بمثله, وإن كان قيميا ضمن بقيمته، كما لا نعلم خلافا في أن تقدير القيمة يراعى فيه مكان الإتلاف، وأما إذا فقد المثلي, بأن لم يوجد في الأسواق، فقد اتفق الفقهاء كذلك على أنه يعدل عن المثلي إلى القيمة، ولكنهم اختلفوا في تقديرها، أيراعى وقت الإتلاف, أم وقت انقطاعها عن الأسواق, أم وقت المطالبة, أم وقت الأداء؟ فأبو حنيفة اعتبر يوم الحكم, والمالكية وأبو يوسف اعتبروا يوم الغصب إن كان مغصوبا، ويوم التلف إن لم يكن مغصوبا, ومحمد بن الحسن اعتبر يوم انقطاع المثل, لأنه وقت الانتقال من القيمة إلى المثل، وأما الشافعية والحنابلة: فالأصح عندهم اعتبار أقصى ما بلغت قيمته ما بين التلف والأداء ـ التنفيذ ـ وأما القيمي: فقد اتفقوا على أنه إذا لم تتغير قيمته من يوم إتلافه إلى يوم أدائه ،فالعبرة بقيمته, بالغة ما بلغت، أما إذا تغيرت القيمة من يوم إتلافه إلى يوم أدائه، فهو على الخلاف المشار إليه في حالة انقطاع المثلي.

ولعل الأرجح اعتبار وقت التلف، لأنه هو الذي خرج ملك صاحبه عنه فيه، وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 54910، 72396، 151287.

وعلى ذلك، فإن أمكن الشخص المذكور أن يصلح جوالك كما ينبغي، فالظاهر حينئذ أن التلف ليس فاحشا، ومن ثم فلا تجوز لك مطالبته بجوال آخر كما سبق، وإنما تجوز لك مطالبته بما لحق الجوال من نقص قيمته بسبب الإتلاف، وإن تراضيت مع ذلك الشخص على إصلاحه، فلا بأس، أما إن كان التلف فاحشا ويتعذر إصلاحه كما ينبغي، فحينئذ تخير بين مطالبته بقيمة الجوال وهو على حاله عند تلفه وإعطائه إياه، وبين إبقائك على الجوال ومطالبته بقدر جنايته، وهذا بناء على القول بالتخيير كما سبق بيانه، وإن أعطاك جوالا قيمته أكبر من قيمة الجوال التالف، فلا حرج عليك في قبوله إن طابت نفسه بذلك، وإلا لزمك أن تدفع إليه الفرق بين القيمتين إن أردت أخذه، لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه. رواه أحمد، وغيره.

وحيث طالبته بقيمة الجوال، فالمعتبر تقديرها وقت التلف على الراجح، ولا عبرة بما اشتريته به، ومثل ذلك التفصيل يقال أيضا في مظلة أخيك، فإن كانت قد تلفت تلفا يسيرا، فلا يجوز لأخيك أن يطالبه بمظلة جديدة، وإنما له أن يأخذ قدر النقص الذي لحقها، أما إن كان التلف فاحشا وأخذ أخوك من صاحبه المظلة الجديدة، فيلزمه أن يدفع له الفرق بين قيمتي المظلتين إلا أن تطيب نفس صاحبه بأخذه الفرق.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني