الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أنا متزوج منذ سبع سنوات تقريبًا، وعمري ثلاثون، وعمر زوجتي 19 تقريبًا، وصادفتني مشكلة منذ سنة، وأنا في حيرة من أمري، فقد حدثت مشكلة بيني وبين زوجتي، ونحن نحب بعضنا، وأنا شديد الغضب، ودائمًا زوجتي تردد: "طلقني"؛ لكي تغيظني عند حدوث أي مشكلة -صغيرة أو كبيرة- وأنا لا أبالي، ولا أهتم، حتى حدثت مشكلة، واحتدّ الكلام بيننا، وكانت تردد: طلقني، طلقني، فذهبت إلى الصالة، وجلست وأنا غضبان، وهي ما زالت تتكلم بألفاظ وكلام يجرح، وأنا أكره أن أطلقها لأن ما حدث بيني وبينها من الشيطان، حتى قلت لها: يا بنت، لا تجبريني، لا تجبريني، وما زالت تتكلم فوق رأسي حتى قفزت من الكرسي، وذهبت إليها، وقلت لها بصوت عال: "أنت طالق طالق طالق" في لحظة غضب، ولم أتمالك نفسي، فبكت، وقالت: لا, أنا أريدك، وأنا ما زلت أريدها، وجلسنا نفكر معًا، وفي منتصف الليل دخلت أكثر من موقع، وبعضهم قالوا: تحسب طلقة، والبعض قالوا: لا تحسب طلقة؛ لأنك في حالة غضب، وعاشرتها في نفس الليلة، فهل تعتبر طلاقًا أو لا؟ فقد كنت في حالة غضب شديد، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا طلاق في إغلاق.
وسؤالي الثاني: قبل أمس حدث كلام حاد بيني وبين زوجتي، وأغضبتني بالكلام، وقالت كلامًا قبيحًا، وكنت أتهرب منها؛ حيث لا أريد أن تكبر المشكلة، وكانت تلحقني، وتقول: "طلقني، إذا أنت رجل طلقني"، فقلت لها: "انصرفي، لا أريد أن أقولها"، ولا زالت تكرر الكلام حتى قلت لها: "أنت طلاق"، فمشيت وكسرت ما هو أمامي، وضربتها ضربًا غير مبرح؛ لأني ندمت على قولها، وما زالت الآن في بيت أهلها، فهل يعتبرحصلت طلقتين أم طلقة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فجمهور أهل العلم على أنّ طلاق الغضبان نافذ، ما لم يزل عقله بالكلية، قال الرحيباني –رحمه الله- في مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى: وَيَقَعُ الطَّلَاقُ مِمَّنْ غَضِبَ، وَلَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ بِالْكُلِّيَّةِ.

وقال البهوتي –رحمه الله- في شرح منتهى الإرادات: وكذا لا يقع طلاق من غضب حتى أغمي عليه، أو غضب حتى أغشي عليه؛ لزوال عقله، أشبه المجنون.

وعليه؛ فإن كنت طلقت زوجتك حال غضب شديد أفقدك وعيك، فلم تدر ما تقول، فطلاقك لغو غير نافذ.

وأمّا إذا كان الغضب لم يفقدك عقلك، فطلاقك نافذ، ويقع بقولك: "أنت طالق طالق طالق" طلقة واحدة إذا لم تكن أردت بها أكثر من طلقة، وفي المرة الثانية يقع بقولك: "أنت طالق" أو "أنت طلاق" طلقة أخرى، فيكون المجموع طلقتين.

وهذا الذي نفتي به هو قول جمهور أهل العلم، لكنّ بعض العلماء لا يوقع طلاق الغضبان إذا اشتد غضبه، ولو لم يزل عقله بالكلية، وراجع الفتوى رقم : 11566.

وعليه؛ فما دام في المسألة تفصيل وخلاف بين أهل العلم، فالذي ننصحك به أن تعرض مسألتك على من تمكنك مشافهته من أهل العلم الموثوق بعلمهم و دينهم.

واعلم أنّ الغضب مفتاح الشر، فينبغي الحذر منه، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَوْصِنِي، قَالَ: لَا تَغْضَبْ، فَرَدَّدَ مِرَارًا قَالَ: لَا تَغْضَبْ. رواه البخاري، قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: فهذا يدل على أن الغضب جماع الشر، وأن التحرّز منه جماع الخير.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني