الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من قام بما يجب عليه تجاه والديه فلا يضرّه دعاؤهم عليه إذا كان بغير حق

السؤال

أمي قاسية، جشعة، ظالمة، حريصة على اﻷموال، وعلى كل ما هو مادي، وفيها أمور بشعة تزعجني، لا أستطيع عدها كلها، رغم أنها تصلي وتقرأ القرآن.
وأنا فتاة تزوجت فترة قليلة، وطلقت سريعًا بسبب أمور لا علاقة لي بها ظلمًا، ولا أدري ماذا أقول، وسأكتفي بقول: أحب الصالحين ولست منهم، أحب أن أكون ملتزمة، وأن أزِن تصرفاتي معها، لكن إن كانت هي بتلك المواصفات، فكيف أستطيع التعامل معها!؟ فهي تظلمني دائمًا، وتضربني منذ أن كنت صغيرة إلى الآن ضربًا مبرحًا، وتشتمني بأسوأ وأقبح الكلام، وتكرهني كرهًا عظيمًا، ودائمًا تدعو عليّ على أتفه التصرفات، وتغضب عليّ دائمًا، وتقول: الله يغضب عليك، ويكون بسببها حتمًا، وهي تكره الجميع، وتراهم خبيثين، لكنها في وجههم تداريهم، وتبين العكس، فماذا أصنع معها؟ والله إن كنت أصبر على أذاها، وألتجئ إلى القوي العزيز، وأدعوه عليها، فينصرني، لكن -مع اﻷسف- تبقى أمي، ورضاها ضروري ليرضى الله عني، وأكره العيش معها جدًّا، فهي الجحيم بعينه، وأنا فتاة مطلقة، ووالله سبب طلاقي لا حيلة لي فيه، وإنما كان مدبرًا، وكان طليقي يفتخر بأخلاقي، ويحمدها، لكن لم نستطع أن نبقى معًا، قيل: إنه السحر، فإلى أين أذهب أنا؟ وماذا أصنع؟ فأنا أنظر إلى أهل صديقاتي، فأجد فيهم كل الصفات التي أتمنى أن تكون في أهلي، وخاصة أمي، ولا أنكر أني أحيانًا من شدة ضربها لي، ودعائها عليّ، وشتمها لي على أتفه اﻷسباب، أغضب جدًّا، وأقول لها كلمة واحدة: الله لا يسامحك، أي: أن الله يراك، ولن يسامحك أبدًا، وعندما تسمع هذا تزيد الضرب، والدعاء، والغضب، والشتم، ومع ذلك أذهب وأبكي بمفردي بكاء قاسيًا، وأسامحها من جديد، وأدعو الله أن يصلحها لي، ويجعلها بي محسنة، ويجعلني بارة بها، لكن لا فائدة للإحسان معها، فلقد جربت كل شيء معها، فأصبحت ترضى قليلًا، وصرت أقوم بأغلب أعمال المنزل؛ بالرغم من كلامها السيئ، والشتم، والاستهزاء بي، ثم ما إن أتكلم أو أتصرف تصرفًا خطأ غير مقصود، أو تتدهور نفسيتي بسبب مرض، أو ألم، فأجلس كئيبة، ولا أستحمل قباحاتها وقبح تصرفهم، فتنسى كل شيء جميل قدمته لها، وتتأجج ظلمًا وعدوانًا عليّ، وكأني أسوأ إنسان على الأرض، وأنا أتمنى أن تكون أمي جيدة حسنة، تعاملني معاملة جيدة؛ لأكون لها بنتًا أحبها وتحبني، فما توجيهكم لي -بارك الله فيكم-؟ وكيف أتصرف معها؟ فلقد احترت، وهل غضبها عليّ، ودعاؤها يستجيبه الله؟
حسبي الله ونعم الوكيل، أنتظر ردكم ودعاءكم لي، وهل أهديها من أموالي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كان الحال كما ذكرت، فإنّ أمّك ظالمة لك، لكن ذلك لا يسقط حقها عليك، فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين الذين يأمران ولدهما بالشرك، وانظري الفتوى رقم: 114460.

وعليه؛ فلا يجوز لك الإساءة إليها، أو الدعاء عليها، ولو بسبب ظلمها لك، قال الشيخ ابن باز –رحمه الله- حين سئل عن الدعاء على الأب الظالم: لا يجوز لك الدعاء عليه، ولكن تقولين: اللهم اهده، اللهم اكفنا شره، حسبنا الله ونعم الوكيل، لا بأس، أما الدعاء عليه لا. وانظري الفتوى رقم: 59562.

فالذي ننصحك به أن تصبري على أمّك، وتصاحبيها بالمعروف، وتنصحيها برفق وأدب أن تعاملك بالمعروف، ولا تعتدي عليك، فإن لم تستجب لنصحك، فوسِّطي من يكلمها في ذلك من الأقارب، أو غيرهم من الصالحين، واعلمي أنّ مقابلة السيئة بالحسنة مما يجلب المودة، ويقي شر نزغات الشيطان، قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}، فإذا كان ذلك مع بعض الأعداء، فكيف بالأم التي هي أرحم الناس بولدها؟

وإذا قمت بما يجب عليك نحوها من البِرّ، والمصاحبة بالمعروف، فلا يضرّك بعد ذلك غضبها، أو دعاؤها عليك، ما دام بغير حق، قال ابن علان في دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين: ... ودعوة الوالد على والده، أي: إذا ظلمه، ولو بعقوقه. وقال المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير: وما ذكر في الوالد محله في والد ساخط على ولده لنحو عقوق.

نسأل الله أن يفرج كربك، ويشرح صدرك، ويهديك لأرشد أمرك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني