الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دفع التعارض بين آيتي: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا.." و"ومن يبتغ غير الإسلام دينًا"

السؤال

قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" هناك تعارض بين هذه الآية والآية الأخرى: "ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه"، فهلا دللتموني على الصحيح -جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإنه ليس بين الآيتين تضارب فقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {البقرة:62}، معناه أن من آمن من اليهود والنصارى والصابئين بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به، واليوم الآخر، وعمل صالحًا، فلم يبدل، ولم يغير حتى يتوفى على ذلك؛ فله ثواب عمله وأجره عند الله، والآية أيضًا تشمل كل من آمن بنبيه في زمانه ولم يدرك غيره، أو من آمن بنبيه وأدرك غيره فآمن به.

وأما آية آل عمران: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران:85}، فتفيد أن الإسلام هو الدين الحق الذي بعث الله به جميع الأنبياء، والمسلم الحق هو من كان خالصًا من شوائب الشرك مخلصًا في أعماله مع الإيمان، من أي ملة كان حتى بعث محمد صلى الله عليه وسلم، فمن لم يؤمن به فهو من الكافرين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده؛ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة: يهودي، أو نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار. رواه مسلم.

قال السعدي في تفسيره: الصحيح أن هذا الحكم بين هذه الطوائف من حيث هم، لا بالنسبة إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، فإن هذا إخبار عنهم قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن هذا مضمون أحوالهم، وهذه طريقة القرآن إذا وقع في بعض النفوس عند سياق الآيات بعض الأوهام، فلا بد أن تجد ما يزيل ذلك الوهم؛ لأنه تنزيل مَنْ يعلم الأشياء قبل وجودها، ومَنْ رحمته وسعت كل شيء. وذلك ـ والله أعلم- أنه لما ذكر بني إسرائيل وذمهم، وذكر معاصيهم وقبائحهم، ربما وقع في بعض النفوس أنهم كلهم يشملهم الذم، فأراد الباري تعالى أن يبين من لم يلحقه الذم منهم بوصفه، ولما كان أيضًا ذكر بني إسرائيل خاصة يوهم الاختصاص بهم. ذكر تعالى حكمًا عامًّا يشمل الطوائف كلها؛ ليتضح الحق، ويزول التوهم والإشكال، فسبحان من أودع في كتابه ما يبهر عقول العالمين. اهـ.

وقال الجلال السيوطي: {إن الذين آمنوا} بالأنبياء من قبل {والذين هادوا} هم اليهود {والنصارى والصابئين} طائفة من اليهود أو النصارى {من آمن} منهم {بالله واليوم الآخر} في زمن نبينا {وعمل صالحًا} بشريعته {فلهم أجرهم} أي: ثواب أعمالهم. اهـ.

وراجع الفتويين رقم: 72232، 221065 مع احالاتهما.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني