الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العلامات المميزة لأهل الحق عن أهل الادعاء

السؤال

لا أعرف من أتبع في العقيدة، فكل فرقة وجماعة تدعي أنها على الحق، وكلهم علماء، وأنا أقبل قول العالم ولو لم يذكر الدليل، ولا أقبل الدليل إلا بشرح العالم، والعلماء كل يشرحه حسب منهجه.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فصحيح أن كل فرقة تدعي أنها على الحق، ولكن الشأن في إثبات هذه الدعوى! فإن كان الحق هو ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وتلقاه عنه أصحابه الكرام ـ رضي الله عنهم ـ كان لزاما على كل من ادعى أنه على الحق أن يثبت اتباعه لما كان عليه الأمر في عصر النبوة، وهذا لا يمكن إلا بالنقل الصحيح والفهم الصريح، فكان الاهتمام بذلك والاعتماد عليه هو سبيل النجاة، ومخالفته علامة الهلاك، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي. رواه الترمذي، وحسنه الألباني.

والمقصود أن صحيح الاعتقاد هو ما تلقاه المسلمون بالإسناد الصحيح عن سلف هذه الأمة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان من الأئمة المتبوعين والعلماء الراسخين، الذين قال الله فيهم: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {التوبة: 100}.
والانتساب الصحيح إلى هذا الأصل هو الذي يميز العلماء الربانيين عن غيرهم، قال الإمام أبو المظفر السمعاني في كتابه الجليل: الانتصار لأصحاب الحديث: إن قال قائل: إنكم سميتم أنفسكم أهل السنة وما نراكم في ذلك إلا مدعين، لأنا وجدنا كل فرقة من الفرق تنتحل اتباع السنة وتنسب من خالفها إلى الهوى! وليس على أصحابكم منها سمة وعلامة أنهم أهلها دون من خالفها من سائر الفرق، فكلها في انتحال هذا اللقب شركاء متكافئون ولستم أولى بهذا اللقب إلا أن تأتوا بدلالة ظاهرة من الكتاب والسنة أو من إجماع أو معقول؟ الجواب: قولكم: إنه لا يجوز لأحد دعوى إلا ببينة عادلة أو دلالة ظاهرة من الكتاب والسنة، هما لنا قائمتان بحمد الله ومنه، قال الله تعالى: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ـ فأمرنا باتباعه وطاعته فيما سن وأمر ونهى وحكم وعلم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ـ وقال: من رغب عن سنتي فليس مني... فوجدنا سنته وعرفناها بهذه الآثار المشهورة التي رويت بالأسانيد الصحاح المتصلة التي نقلها حفاظ العلماء بعضهم عن بعض، ثم نظرنا فرأينا فرقة أصحاب الحديث لها أطلب وفيها أرغب ولها أجمع ولصحاحها أتبع، فعلمنا يقينا أنهم أهلها دون من سواهم من جميع الفرق، فإن صاحب كل حرفة أو صناعة ما لم يكن معه دلالة عليه من صناعته وآلة من آلاته ثم ادعى تلك الصناعة كان في دعواه عند العامة مبطلا، وفي المعقول عندهم متجهلا، فإذا كانت معه آلات الصناعة والحرفة شهدت له تلك الآلات بصناعته، بل شهد له كل من عاينه قبل الاختبار، كما أنك إذا رأيت رجلا قد فتح باب دكانه على بز علمت أنه بزاز وإن لم تختبره، وإذا فتح على تمر علمت أن تمار... وكذلك صاحب كل صناعة إنما يستدل على صناعته بآلته فيحكم بالمعاينة من غير اختبار.. ثم كل صاحب صناعة وحرفة يفتخر بصناعته ويستطيل بها ويجالس أهلها ولا يذمها، ورأينا أصحاب الحديث ـ رحمهم الله ـ قديما وحديثا هم الذين رحلوا في طلب هذه الآثار التي تدل على سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذوها من معادنها وجمعوها من مظانها وحفظوها واغتبطوا بها ودعوا إلى اتباعها وعابوا من خالفها وكثرت عندهم وفي أيديهم حتى اشتهروا بها كما اشتهر البزاز ببزه والتمار بتمره .. ثم رأينا أقواما انسلخوا من حفظها ومعرفتها وتنكبوا اتباع أصحها وأشهرها وطعنوا فيها وفي من أخذ بها وزهدوا الناس في جمعها ونشرها وضربوا لها ولأهلها أسوأ الأمثال فعلمنا بهذه الدلائل الظاهرة والشواهد القائمة أن هؤلاء الراغبين فيها وفي جمعها وحفظها واتباعها أولى بها وأحق من سائر الفرق الذين تنكبوا أكثرها، وهي التي تحكم على أهل الأهواء بالأهواء لأن الاتباع عند العلماء هو الأخذ بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي صحت عنه عند أهلها ونقلتها وحفاظها والخضوع لها، والتسليم لأمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها تقليد لمن أمر الله بتقليده والائتمار بأمره والانتهاء عما نهى الله عنه، ووجدنا أهل الأهواء الذين استبدوا بالآراء والمعقولات بمعزل عن الأحاديث والآثار التي هي طريق معرفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا الذي قلناه سمة ظاهرة وعلامة بينة تشهد لأهل السنة باستحقاقها، وعلى أهل الأهواء في تركها والعدول عنها بأنهم ليسوا من أهلها، ولا نحتاج في هذا إلى شاهد أبين من هذا، ولا إلى دليل أضوأ من هذا،
فإن قالوا: إن لكل فريق من الأهواء وأصحاب الآراء حججا من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجون بها؟ قلنا: أجل، ولكن يحتج بقول التابعي على قول النبي صلى الله عليه وسلم، أو بحديث مرسل ضعيف على حديث متصل قوي، ومن هنا امتاز أهل اتباع السنة عن غيرهم؛ لأن صاحب السنة لا يألو أن يتبع من السنن أقواها، ومن الشهود عليها أعدلها وأتقاها، وصاحب الهوى كالغريق يتعلق بكل عود ضعيف أو قوي، فإذا رأيت الحاكم لا يقبل من الشهود إلا أعدلها وأتقاها، كان ذلك منه شاهدا على عدالته، وإذا غمض وقنع بأرداها كان ذلك دليلا على جوره... وفي دون ما فسرناه ما يشفي، والأقل من هذا يكفي من كان موفقا ولحقه عون من الله تعالى. اهـ.

وننصح السائل بمراجعة هذا الكتاب المبارك ففيه فصول مهمة ومفيدة يميز بها المرء منهج أهل الحق في باب الأصول والعقائد، وراجع للفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 29581، 181181، 25101، 302920، 64890.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني